المشروعَ الصهيونيَ لم يكنْ يوماً ولن يكونَ في المستقبلِ مشروعَ سلام. فهو كانَ وسيبقى مشروعَ عدوانٍ وتوسعٍ واستيطان. هو مشروعٌ مدمّرٌ لحياتِنا ومستقبلِنا ويسعى في كل الأوقاتِ وبكل الوسائلِ لترسيخِ كيانه القائم على الاحتلال وتدعيمِ قُدُراتِه ومخططِاته الاستيطانية.. إنه مشروعُ حربٍ يستهدفُ اجتثاثَ وجودِنا بالحروبِ التدميريّةِ التي يشنُها علينا بِغيةَ تهجيرِنا من خلالِ تخريبِ مرافقِ حياتِنا الحيويةِ وتدميرِ مؤسساتِنا الاقتصاديةِ والصناعيةِ والإنمائيةِ في مجتمعِنا ليتفككَ هذا المجتمعُ وينهارَ ولِتنعدِمَ أسبابُ العيشِ فيه فَيَصِل إنسانُنا إلى حالةِ اليأسِ والقنوطِ والهزيمةِ النفسيةِ ويضطرُ لأن يتركَ بلادَه ويهاجرَ لغيرِ رجعة.
والسؤال كيف نواجه العدو الصهيونيّ ومشروعه الخطير؟
المواجهة برأينا لا تكون إلا بمشروع قومي مقاوم تنهض به قوى خلاَّقةٌ مؤمنةٌ بحياةٍ جميلةٍ تشعُّ فيها قيمُ الخيرِ والحقِ والجمالِ والحريةِ والسلام.. ولكن لقيام هذا المشروع المقاوم شروط لا بدّ منها:
أولاً، هذا المشروعُ لكي ينتصرَ يستوجبُ منا جميعاً الخروجَ من حالةِ الفتنِ المذهبيةِ والتضاربِ والشرذمةِ والانقساماتِ إلى حالةِ الوحدةِ الاجتماعيةِ والتسامحِ القوميِ، حالةِ الوضوحِ واليقينِ والثقةِ بالنفسِ والعملِ بإرادةٍ واعيةٍ وخطةٍ نظاميةٍ واضحةِ الأهداف.
ثانياً، لا يمكنُ لنا أن نتغلبَ على الخطةِ الصهيونيةِ النظاميةِ الدقيقةِ ونحن نتبادلُ الأحقادَ الدينيةَ ونتقاتلُ على الجنةِ السماويةِ ونتخبطُ بقضايا الفئويةِ والمذهبيةِ والعشائريةِ والخصوصياتِ.. بل نتغلبُ عليها بعقيدةٍ جلّيةٍ واضحةٍ تُحيي حقيقتَنا التاريخيةَ الحضاريةَ وتعملُ لتأسيسِ مجتمعٍ مدنيٍ ديمقراطيٍ راقٍ يعي هويتَه وتاريخَه وقضيتَه القوميةَ ومقاصدَه الكبرى في الحياة.
ثالثاً، لا يمكنُ لنا أن نتغلبَ على الخطةِ الصهيونيةِ بأنظمةِ الطائفيةِ والجهلِ والتخلفِ والفوضى والفسادِ، أنظمةِ الديمقراطيةِ المزيّفةِ وكبتِ الحرياتِ.. ولا نتغلَّبُ عليها بالسياساتِ الضيقةِ، بسياسةِ المماحكاتِ والخصوماتِ وبنهجِ التخاذلِ والتسكعِ والمساومات والمفاوضات أو بتلقي رسائل التطمين من المجتمع الدولي.. بل نتغلبُ عليها بخطةٍ نظاميةٍ أشدُ نظاماً وأدهى، خطةٍ عقلانيةٍ واضحةٍ في الرؤيا والأهدافِ ودقيقةٍ في التخطيطِ والممارسةِ والإنجاز.. خطةٍ تعملُ لبناءِ دولة ديمقراطية عصرية ولبناء الإنسانِ الجديدِ في فكرِه وقلبِه ووجدانِه، الإنسانِ الحرِ المؤمنِ بنفسهِ وإنسانيتِه، الممتلىءِ بقيمِ الحياةِ الساميةِ والمتسلحِ بقوةِ العلمِ والمعرفةِ والوجدانِ القومي، الإنسانِ – المجتمعِ الذي يعملُ لخيرِ مجتمعِه ورقيِه والذي يرفُضُ العيشَ الذليلَ ويحيا لقضايا الحياةِ العالية، حياةِ العزِ والشرفِ والانتصار.
رابعاً، ولا نتغلبُ على الخطةِ الصهيونيةِ بثقافةِ الهزيمةِ ولغةِ الإحباطِ، بنفسيةِ الخوفِ والصمتِ والخنوعِ وبأساليبِ الفوضى والتبعيةِ والاتكاليةِ والارتجالِ، بل نتغلبُ عليها بخطةٍ ساهرةٍ وراصدةٍ وُمحرِّكةٍ لإمكانياتِ المجتمع… خطةٍ هجوميةٍ ومصارعةٍ لعواملٍ الضعفٍ والانحطاط والفناء.. خطةٍ تُفكرُ برويةٍ وتستشرفُ المخاطرَ والتحديات.. تراهنُ على إرادةِ الحياةِ فينا وعلى ما يكمُنُ في نفوسِنا من قوةٍ مناقبيةٍ ومن خلقٍ وإبداع.. توقظُ النيامَ وتخاطبُ العقلَ والوجدان.. تنفخُ في الشعبِ روحَ البطولةِ والصراعِ والمقاومةِ وتُنَمِّي فيه روحَ الوعي والمعرفةِ العلميةِ والثقافةِ القوميةِ الصحيحةِ التي تزيلُ الغشاواتِ وتَقْضِي على المبادئ الفاسدةِ والثقافاتِ الرجعيةِ المسؤولةِ عن الكوارثِ القوميةِ التي حلَّتْ بنا.
في مواجهةِ المشروعِ الصهيونيِ لا خيارَ لنا إلا خيارَ المقاومةِ والصمودِ، خيارَ الصراعِ والبطولةِ المؤمنةِ دفاعاً عن الكرامةِ القوميةِ والوجودِ القوميِ والحقِ القومي. بفضلِ هذا الخيارِ انتصرت شام الإباء والصمود على كل قوى الإرهاب والظلام المدعومة من الدول المتغطرسة وعلى المشروع المعادي الذي حاول كسر إرادتها وتفتيتها. لقد واجهت شام البطولة والتضحيات جحافل الأعداء بجيشها البطل وبشعبها ونسورها وقيادتها الحكيمة وألحقت الهزيمة بهم..
وبفضلِ خيار المقاومة أنهتْ المقاومةُ البطلةُ في لبنان زمنَ الهزائمِ المتعاقبةِ على أمتِنا وبدأتْ زمناً جديداً هو زمنُ الانتصاراتِ المشهودة، زمنُ المقاومينَ المؤمنينَ والشهداءِ الأبرارِ الذين وبدعمٍ واحتضانٍ من دمشقَ الصامدةِ هزموا المشروعَ الصهيونيَ– الأميركيَ ودحروا جيشَ الاحتلالِ مهزوماً مسقطينَ كل أحلامِ الصهاينةِ ومشاريعِهم.
فقط بالمشروع القومي الحاضن لقوى الأمة والمعتمد على خيار المقاومة بكل أشكالها نستطيع ان نواجه المشروع الصهيوني المعادي وننتصر عليه. إنها معركة طويلة الأمد بين مشروعين: مشروع قومي طبيعي ومشروع عدواني إلغائي. معركة بين الحق القومي والباطل الصهيوني.. و»الحق القومي»، يقول زعيم الأمة، «لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره».