نواف الزرو
هل يصدق أحد في العالم ان فلسطين التاريخية من بحرها لنهرها اصبحت بلا خريطة على اهم واكبر محركين في العالم”غوغل” و”أبل”…؟!
وهل يصدق أحد في العالم أن الشعب العربي الفلسطيني العريق صاحب البلاد والوطن والتاريخ والحضارة هناك يصبح بلا خريطة…؟!
وهل يقبل أحد في العالم المتحضر والحر ان توضع خريطة مزيفة باسم”اسرائيل” مكان خريطة فلسطين…؟!
لقد بات واضحا تماما ان المسألة ليست عفوية او وقعت سهوا، أو عابرة، بل هي مع سبق النوايا والتخطيط والتنسيق مع تلك الصفقة التي اطلقوا عليها “صفقة القرن”، ومع تلك المخططات والمشاريع الاحتلالية الصهيونية التي تستهدف استكمال السطو المسلح على فلسطين كاملة ب”ضم وتهويد” ما تبقى من الارض الفلسطينية في الاغوار وغيرها، وبما يتماشى كذلك مع “قانون القومية اليهودي” الذي يطوب فلسطين بكاملها “للشعب اليهودي فقط”.
والاهم ان شطب الخريطة الفلسطينية هنا ينحاز انحيازا سافرا لصالح”الرواية الصهيونية المزيفة” على حساب الرواية والحقوق العربية الفلسطينية التاريخية الراسخة، ويأتي في الوقت الذي أعلن فيه أفيخاي ماندلبليت، المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية الخميس 16 /7/ 2020″ أن السلطة الفلسطينية ليست دولة ولا تتمتع بالحصانة والمحاكم الإسرائيلية مفوضة لمحاكمتها”….!
لا شك ان هذا الشطب لفلسطين عن المحركات والمواقع العالمية يتناسق تماما مع الحرب الصهيونية المفتوحة التي تدور رحاها عنك على امتداد مساحة الوطن والرامية الى شطب فلسطين العربية وتحويلها الى “ارض اسرائيل”، وشطب الرواية العربية الخاصة بفلسطين وفرض الرواية الصهيونية..!.
وهذا السلوك يتعارض تماما مع كافة “القوانين والقرارات الدولية والإنسانية”، كما أن شطب دولة فلسطين من الخرائط الدولية “سيشجع الاحتلال على مواصلة انتهاكه للقوانين والقرارات الدولية”.
ونحن إذ نتحدث هنا عن اكبر واهم محركين على النت، فذلك لدورهما الاعلامي المؤثر جدا على الرأي العام، وهذا الدور بإمكانه ان يقلب الحقائق والروايات رأسا على عقب، وبامكانه ان يحول الحق الى باطل والباطل الى حق..!..
الى كل ذلك، فاننا عندما نتحدث عن “غوغل” و”ابل” ودورهما الاعلامي المؤثر جدا، فهذا ليس عبثا، وينقلنا للحديث عن هيمنة الحركة الصهيونية على وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وهذا ليس مهولاً فيه، فقد ثبت عبر مختلف محطات ومراحل الصراعي العربي – الصهيوني أن تلك الوسائل في خدمة الحركة والدولة الصهيونية، لا بل إن تلك الدول الغربية هي الأخرى تبنتت الحركة والدولة الصهيونية ووفرت لها المناخات والطاقات والوسائل المختلفة لتوظفها في حربها الاستعمارية في فلسطين.
والذي ميز الإعلام الصهيوني على مدى العقود الماضية أنه كان مبرمجاً ومنهجياً وموجهاً للرأي العام الغربي عامة ولليهود خاصة، والذي ميزه أيضاً أن قاموسه طفح بكم هائل من المصطلحات والمفردات العنصرية التحريضية التشويهية التي تشيطن الفلسطينيين والعرب.
اقامت الحركة الصهيونية من اجل ترويج رواياتها التضليلية ما يمكن ان نطلق عليه”امبراطورية الشر الاعلامية الصهيونية”، التي تمتد على امتداد الغرب والعالم، وكان هنري فورد المليونير العالمي اليهودي قال في كتاب له عن”اليهودي العالمي” “سنعالج قضية الصحافة على النحو التالي:
1- سنمتطي صهوتها، ونكبح جماحها، وسنفعل مثل ذلك أيضا بالنسبة إلى المواد المطبوعة الأخرى، إذ لا جدوى من تخلصنا من الحملات الصحفية، إذا كنا معرضين للنقد عن طريق المنشورات والكتب.
2- لن يصل أي إعلان للناس إلا بعد مراقبتنا، وقد تمكنا من تحقيق ذلك الآن إلى الحد الذي لا تصل فيه الأنباء إلا عبر الوكالات المختلفة والمتمركزة في مختلف أنحاء العالم . فالأدب والصحافة قوتان تعليميتان كبيرتان، وستصبح حكومتنا مالكة لمعظم الصحف والمجلات … وإذا سمحنا بظهور عشر مجلات مستقلة، فيجب أن تكون لنا ثلاثون صحيفة مقابلها”.
ومن المعروف”أن تكوين الرأي العام الأمريكي يتأثر بحفنة من الصحف القوية منها نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، سانت لويس بوست، ديسمباتش، والتي يملكها اليهود، وفي هذا الصدد فاليهودي والترانبيرغ الذي كان سفير نيكسون في بريطانيا، كان يملك فلادلفيا انكويريد، ورينبغ تليغراف سافتنين، والدليل التلفازي، وكذلك عددا من المحطات المرئية، واليهودي صموئيل تيوهزر يملك 45 صحيفة منها النيوز داي ذات النفوذ في نيويورك ومجموعة من المجلات غلايمور ، مداموزيل ، وهوس غاردن”.
اما عن امبراطورية روبرت موردوخ الاعلامية فحدث…!
فروبرت موردوخ يعشق الصهيونية وملتزم بكافة توجهاتها ومبادئها، وبوصفه أحد أباطرة الإعلام في العالم يعد الملياردير الأسترالي الأصل الصوت الإعلامي الأول والأقوى تأثيراً لدى مجموعة التطرف المسيحي في الولايات المتحدة المعروفة باسم “المحافظين الجدد”، وتعتبر مجموعة موردوخ الإعلامية “نيوز كورب” News Corp واحدة من 3 مؤسسات عالمية تحرص جمعية الصداقة الأمريكية الإسرائيلية (اللوبي اليهودي) على شكرها لدعمها الدولة العبرية إعلامياً واستثمارياً.. وبين ثنايا تفاصيل هذه الإمبراطورية العملاقة، نجد أن موردوخ يمتلك أكثر من ( 175) صحيفة عالمية شهيرة من بينها : “التايمز” اللندنية، و”الصنداي تايمز” و”الصن” الشعبية أوسع الصحف البريطانية انتشاراً، و”نيوز أوف ذي ورلد”، و”نيويورك بوست”، و”وول ستريت جورنال” ثاني الصحف الأوسع انتشاراً في الولايات المتحدة، وإحدى أهم الدوريات الاقتصادية في أمريكا والعالم.
وكان عالم الاجتماع النرويجي المعروف يوهان غالطونج الذي كنى ب “أب دراسات السلام”، كشف في محاضرة القاها في جامعة اوسلو وفي مقال كتبه وفي مقابلة اجرتها معه صحيفة هارتس الاسرائيلية النقاب عن:”ان اليهود يسيطرون على الاعلام العالمي ويوجهونه في صالح اسرائيل”، مضيفا”ان ست شركات يهودية تسيطر على 96% من الاعلام الامريكي”، مفصلا اسماء الجرائد وشبكات التلفزة التي يسيطر عليها اليهود، وهو يشير في هذا المقام الى “ان 70% من اساتذة أهم 20 جامعة امريكية هم من اليهود-: 01/05/2012 – “.
ورغم كل ذلك، كانت شركة غوغل فاجأتنا بالانضمام الى جوقة الامبرطورية الاعلامية الصهيونية على طريقتها، اذ رفعت منظمات فرنسية دعوى قضائية على الشركة مطالبة بأن يتوقف محرك البحث الخاص بها بربط كلمة “يهودي”عشوائيا بأسماء شخصيات يبحث مستخدمو الانترنت عن معلومات حولها”، واعتبر محامي منظمة “أس أو أس راسيزم” باتريك كلوغمان لوكالة فرانس برس- “أن وظيفة “غوغل ساجست” (اقتراحات غوغل) أدت إلى “إنشاء أكبر ملف على الأرجح حول اليهود في التاريخ”، وفي الدعوى القضائية، احتج اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا ومنظمة “جاكوز” الدولية من أجل العدالة و”أس أو أس راسيزم” والحركة المناهضة للعنصرية والداعية إلى المحبة بين الشعوب على أن وظيفة “غوغل ساجست” غالبا ما تقترح بشكل عشوائي كلمة “يهودي” عندما يبحث المستخدم عن اسم شخصية معينة بازرة في عالم السياسة أو الاعلام والأعمال هذه المنظمات أن هذا الأمر “يعزز بطريقة فورية الشعور بأن اليهود موجودون أينما كان في مواقع القيادة في فرنسا- وكالات: 30/04/2012 -“.
واتهام غوغل بالانضمام الى امبراطورية الاعلام الصهيونية ليس جديدا، اذ كان المفكر والاعلامي العربي الكبير محمد حسنين هيكل كشف لنا جانبا من الخلفية الحقيقية لذلك في أولى حلقات الجزء الثاني من برنامجه على قناة الجزيرة “مع هيكل”، حينما كشف معلومة بالغة الخطورة تتعلق بالتعاون الامني ما بين”اسرائيل” وشركة غوغل العالمية العاملة في مجال التقنية، مؤكدا ان الشركة تبيح رؤية كل ما يتعلق بالعرب من مؤسسات مدنية او عسكرية ، ولا اسرار عربية ابدا بينما تمنع تلك الشركة رؤية صور تتعلق ب”اسرائيل” ومنشآتها العسكرية او المدنية على سبيل المثال( وقد خاطبني- شخصيا- متحدث باسم الشركة نافيا ان تكون الشركة تلعب مثل هذا الدور اوانها محت -مثلا- صور اللاعب المصري ابو تريكة عن الموقع بسبب تعاطفه مع غزة كما كانت نشرت بعض المواقع الاعلامي)، وقد سبب هيكل حرجًا شديدًا لشركة غوغل، حيث أثارفي حلقته التي تحدث فيها عن “زمان الحرب… الأمن القومي”، “إن اسرائيل حصلت على قرار من الكونغرس الاميركى بحظر إتاحة صور الاقمار الصناعية ل”اسرائيل”، وإن ما يظهر من صور تكون مشوشة وغير واضحة بعكس باقي انحاء العالم”، و”استدل على ذلك بصور عن بعد 3500 قدم للقاهرة بدرجة واضحة، و من البعد ذاته صور مشوشة للقدس المحتلة”، وقد بررت مصادر مقربة من شركة غوغل الشرق الاوسط، الموقف ردًا على هيكل ب”أن الوضع الخاص لإسرائيل جاء بناء على اتفاق مع الحكومة الاميركية”.
وليس ذلك فحسب، بل أصرت غوغل على مواصلة انحيازها ل”اسرائيل” فقامت الشركة خلال تحديثها الجديد عام 2016 بحذف فلسطين من خرائطها، ووضع اسم “إسرائيل” على الخريطة بشكل كامل، مما أثار حفيظة الفلسطينيين وكافة النشطاء على مواقع التواصل الداعمين للقضية الفلسطينية، دون رد واضح من الشركة لتبرير ما قامت به-وكالات–10.08.2016″، لتعود الشركة مجددا وتؤكد على قرارها شطب خارطة فلسطين لتحل محلها “اسرائيل”، فقد اختفت فلسطين من خرائط “غوغل”، وقد تأكد مراسلو وكالة “سبوتنيك” من اختفاء دولة فلسطين من خرائط محرك البحث الأمريكي-عن غوغل ايضا-16.07.2020″. ولكن الشركة بررت “عدم وجود فلسطين على خرائطها بالسعي إلى عرض المناطق المتنازع عليها بموضوعية باستخدام خط حدودي رمادي منقط”، وأضافت الشركة “لم يتغير نهجنا في تصوير المناطق على الخرائط، حيث تحصل “غوغل” على المعلومات من المنظمات ومصادر رسم الخرائط عند تحديد كيفية تصوير الحدود المتنازع عليها. وما زلنا محايدين فيما يتعلق بالخلافات الجيوسياسية وبذل كل جهد لعرض موضوعي لتلك المناطق”.
وفي السياق ذاته ولكن من الجانب الصهيوني، فقد اعتبر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت، الخميس 16 /7/ 2020″ أن السلطة الفلسطينية ليست دولة ولا تتمتع بالحصانة والمحاكم الإسرائيلية مفوضة لمحاكمتها. وفق ما اورده تلفزيون i24 الاسرائيلي”، وجاءت تصريحات ماندلبليت ردا على المحكمة العليا الإسرائيلية فيما يتعلق بالاستئنافات المرفوعة للمحكمة من قبل اسرائيليين والتي تتعلق بقضايا اعتقلت خلالها السلطة الفلسطينية سكانها وارتكبت جرائم ضدهم-تصوروا….!، وطلبت المحكمة العليا الإسرائيلية رد ماندلبليت بخصوص السلطة الفلسطينية، بعد عدة سنوات من المداولات القضائية، بخصوص البت في قيام أجهزة السلطة الفلسطينية بسجن وتعذيب العشرات المتعاونين مع إسرائيل، ومما جاء في تقرير المحكمة انهم ساعدوا إسرائيل على منع الإرهاب ضد المواطنين الإسرائيليين.
اعتقد انه يجوز لنا هنا في ضوء كل ذلك ان نربط استراتيجيا ما بين “غوغل” و”أبل” وشطب خارطة فلسطين عن موقعيهما مرات عديدة -وهذا اصبح واضحا ومؤكدا-وما بين صفقة القرن التي تلغي بدورها فلسطين والشعب الفلسطيني وحقوقه، وتبيح للأحتلال تمرير مخططات وخرائط الضم والتهويد-اي السطو الصهيوني المسلح على منطقة الاغوار وقبلها القدس، وبعدها في المخطط كامل الضفة الغربية، كما نربط ما بين كل هذه العناوين ودور إمبراطورية الشر الصهيونية المتنفذة على نطاق واسع في الغرب…!
ندرك خلفيات واجندات الاصطفاف الامريكي والاوروبي والاممي الى حد كبير وراء الامن الاسرائيلي، ونفهم تلاقي الاجندات الاستراتيجية العدوانية ما بين الادارتين الامريكية والاسرائيلية، ونتابع تلك التحالفات الاستراتيجية ما بين “اسرائيل” وامريكا وبعض الدول الاوروبية، ونتابع ايضا التطورات السلبية على مستوى الامم المتحدة التي تعجز عن التعاطى مع ملف فلسطين على نحو موضوعي لتكون المخرجات احادية الجانب لصالح”اسرائيل”، ولكننا لا نستطيع ان نفهم ونتفهم هذا التواطؤ ما بين هذه الشركة التقنية العالمية وما بين دولة الاحتلال الصهيوني ومشاريعها وخرائطها الرامية الى”إبادة فلسطين” على غوغل وكافة وسائط الاعلام والمنابر الأممية..؟!
من حقنا ومن حق الشعب العربي الفلسطيني ومن حق الأمة العربية من ورائه الحصول على بيان توضيحي صريح من قبل “غوغل”و”أبل” حول “اختفاء-شطب- خارطة فلسطين”عن موقعيهما مرارا وتكرارا…؟!
كاتب فلسطيني