حماد صبح
مع اقتراب الذكرى الثالثة والخمسين للحرب الإسرائيلية العربية في 5 يونيو 1967 ؛ نشر موقع ” veterans to day” الأميركي الفصل الثالث من كتاب “الصهيونية .. العدو اللدود لليهود ” للكاتب البريطاني آلان هارت ، ويروي فيه أحداث وملابسات هجوم القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية على سفينة التجسس الأميركية “ليبرتي” في 8 يونيو 1967 إبان الحرب الإسرائيلية العربية في ذلك العام، فقُتل من بحارتها 34 وجُرح 174 . ويقول هارت عن هذا الفصل من كتابه: “إنه بساعد على الفهم الحقيقي لماهية دولة إسرائيل الصهيونية ، وهي أنها وحش مُرسَل السراح ” . وادعت إسرائيل دائما ، مثلما يقول الكاتب، أن الهجوم “حادث سوء حظ”، و”خطأ في تمييز هوية السفينة”، وينفي صحة ادعائها قائلا: “كان مستحيلا ألا يعرف المهاجمون الإسرائيليون هوية هدفهم ” ، ويعلل نفيه بأن “ليبرتي ” كانت ترفع على صاريها العلم الأميركي بحجم كبير، وأن علامة سلاح البحرية الأميركي “gtr_ 5 ” كانت مكتوبة على جانبي مقدمتها بحروف بيضاء بارتفاع 10 أقدام ، وكان اسمها واضحا على مقودها، ودعنا من ذكر جهاز هوائيها الإذاعي المتطور جدا بمقاييس ذلك الزمان، ومن مظاهر تطوره قدرته على التقاط الاتصالات اللاسلكية العسكرية والدبلوماسية في دائرة 500 ميل بوضوح صافٍ وافٍ، وله قدرة على توجيه الصواريخ ، والتحكم في الأقمار الصناعية.
والغريب، مثلما يقول الكاتب، أن وكالات الأخبار الأميركية لم تورد تقارير عن الهجوم في حينه، وأنه لو كان عربيا لاختلف الأمر تماما. ويعلق الأدميرال المتقاعد توماس مورر الذي عين قائدا عاما لهيئة الأركان المشتركة بعد شهر من الحادث : “لو جاء الحادث في رواية خيالية ما صدقه أحد”، و “ولو علم الشعب الأميركي به وبملابساته لجن جنونه”. ويتابع هارت: “وما حدث بعد ذلك أن مؤسسات الحكومة الأميركية فشلت في التكتم على حقيقة ما حدث لوجود شهود عليه لا سبيل لإسكاتهم ، وهم الناجون من بحارة “ليبرتي” المنكوبة. وأول معلومات مفصلة عنه تضمنها كتاب “الهجوم على ليبرتي” الذي كتبه الملازم جيمس إنِس المشرف على سطح السفينة وقت الهجوم. وبعد مرور خمسة عقود على الهجوم يقدر هارت أن أسراره ستبقى مكتومة طالما بقي الساسة الأميركيون مرعوبين من أي إساءة للصهيونية ، ويصف الحكومات الأميركية بأنها “barrel pork”، أي مشروع يعود على المحاسيب والأنصار بمكاسب جمة.
دام الهجوم أكثر من ساعة على مرحلتين، وألغيت المرحلة الثالثة التي لو نفذت لدمرت السفينة كليا ، وقتلت كل من فيها. أما الذي أمر بالهجوم فهو موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي يصفه هارت ب “سيد الحرب الأعور”، ولم يستجب لمعارضة أحد قادة جيشه الذي وصف الهجوم ب “مجزرة خالصة”. ومن الأسئلة المثارة حوله : لماذا لم تستنجد “ليبرتي” بالأسطول الأميركي السادس القريب منها الذي كان المقدر في حال استنجادها أن تنطلق طائراته للاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية؟ والجواب : أن الطائرات الإسرائيلية دمرت بصواريخها الأولى جهاز اتصالات ” ليبرتي ”، وكان هذا التدمير هو الهدف من التصوير الجوي الدقيق الذي قامت به طائرة إسرائيلية من نوع نور أطلس الفرنسي الصنع ، وحقق الطيارون هذا الهدف في الغارة الأولى عليها بدقة كاملة ” pen_point accuracy “.
ويقول هارت إنه ما كان من المنتظر في حال انطلاق المقاتلات الأميركية أن تنشب معركة ضارية بينها وبين الطائرات الإسرائيلية، ولا يشرح السبب . فهل ستهرب الطائرات الإسرائيلية وتكتفي المقاتلات الأميركية بابتعادها عن “ليبرتي” دون أن تنتقم منها؟! في الأمر غموض وريبة.
أين كانت “ليبرتي” حين هاجمها الإسرائيليون؟ يجيب هارت إنها كانت على بعد 25 ميلا من ساحل غزة ، وعلى بعد 30 ميلا من أقرب نقطة من الساحل “الإسرائيلي”.
والسؤال الكبير : لماذا هاجموها ؟! المتداول حول الهجوم سببان :
الأول : أرادوا منعها من متابعة عمليات قواتهم في سيناء خاصة المرحلة التي اقتربوا فيها من إنهاء تلك العمليات ، وبدؤوا الاستعداد لنقل قسم كبير من تلك القوات شمالا لتعزيز سيطرتهم على الضفة الغربية ، والأهم مهاجمة سوريا ، ويقول هارت إنه كان في سيناء حينئذ بحكم عمله الصحفي، وإنه رآهم ينقلون الدبابات على مقطورات ويتجهون بها شمالا لهذين الهدفين. وكانت أميركا تقدر أن مهاجمة إسرائيل لسوريا قد تتسبب في تدخل السوفيت مباشرة في الحرب ولو لحفظ ماء وجههم حتى لا يقال إنهم تخلوا عن دولة صديقة . وينقل دون باجلر أحد الناجين من بحارة السفينة عن ضابط إسرائيل التقاه في 2003 أو 2004على ما يتذكر أن ديان قدم بعد انتهاء الحرب إيجازا عنها لجميع ضباط الجيش الإسرائيلي، وأنه حين جاء على ذكر “ليبرتي” لم يتردد في القول: “حاولنا تدمير ليبرتي لرغبتنا في عدم كشف الأميركيين لخططنا”.
الثاني : استهدفوا جر أميركا للحرب معهم ضد مصر ، وفعلا اتجهت طائرات أميركية لقصف أهداف في القاهرة فور سماع الأميركيين بما حدث ل “ليبرتي” ظنا منهم أن القوات المصرية هي التي هاجمتها ، وعادت طائراتهم قبل دقائق من مهاجمة تلك الأهداف بعد أن علموا بهوية من هاجمها . ويؤكد هذا الهدف اهتمام الإسرائيليين بقتل كل بحارة السفينة حين ضربوها بالنابالم الذي يجعل ضحاياه جثثا محترقة مسودة ، وحين ضربت زوارقهم قوارب النجاة فور إنزالها إلى الماء ، فقتلت 25 بحارا من ال34 حتى لا يبقى شهودٌ على هوية المهاجمين . ومن الوسائل التي عرف بها الأميركيون أن الإسرائيليين هم الذين هاجموا السفينة تمكنُ المخابرات الأميركية من اعتراض اتصالات الطيارين الإسرائيليين بالطواقم الأرضية التي توجههم ، وفي هذه الاتصالات أخبروا الطواقم أن السفينة أميركية ، فهل يقصفونها ، وجاءهم الرد : “نعم، نفذوا الأوامر!”.
وفي رأينا أنه لا تناقض بين الهدفين بالنسبة لإسرائيل، وكل هدف يكمل الآخر ليكونا في النهاية في مصلحة هذه الدولة المارقة الجاحدة التي يختم هارت الفصل الثالث من كتابه قائلا عنها: “العبرة المُفادة من الهجوم الذي تم بدم بارد على “ليبرتي” هو أنه ما من شيء تتردد الدولة الصهيونية في اقترافه ضد أصدقائها أو أعدائها سواء بسواء للوصول إلى مبتغاها”.