تسبب الحجر المنزلي في مشاكل نفسية للكثير من الأسر وصعب الحياة اليومية عليهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعائلات التي يعاني فيها أحد أفرادها من مرض التوحد، فقد يكون الأمر أكثر صعوبة، نظرًا لخصائص هذه الحالة.
ويحتاج مريض التوحد عناية خاصة تختلف في كثير من النواحي عما يحتاجه الطفل العادي، وذلك وفقا لتقرير نشره موقع "ستيب تو هيلث"، حيث يُعتبر الروتين أمرا أساسيا لمريض التوحد.
وأشار التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه على إثر إغلاق المدارس وأماكن العمل والمراكز الطبية بشكل خاص، تعتبر الأنشطة الروتينية أكثر ما يساعد الأشخاص الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد، على تنظيم حياتهم اليومية ومنحهم الأمان الذي يحتاجونه.
وأوضح بأن التعامل مع الإغلاق قد يكون أمرًا صعبًا بشكل خاص في حالة الأطفال المصابين بالتوحد.
ولفت التقرير إلى أن بعض الحكومات أصدرت قرارات تفويض استثنائية للأفراد المصابين بالتوحد ومقدمي الرعاية لهم، تسمح هذه التفويضات لمن يعانون التوحد، بمغادرة منازلهم في ظل ظروف معينة، والغرض من ذلك هو توفير نزهات قصيرة كوسيلة لعلاج هؤلاء الأفراد.
توصيات
وذكر التقرير بأن العديد من المنظمات التي تُعنى بالطفولة، قدمت توصيات لمساعدة الأسر على التعامل مع الإغلاق، وتأثيره على الطفل المصاب بالتوحد، ومنها إنشاء روتين يومي يساعد الأطفال على تنظيم حياتهم.
وسلطت هذه المنظمات الضوء على أهمية وضع الجداول الزمنية، لأن الأشخاص المصابين بالتوحد يحتاجون إلى القدرة على التنبؤ والوضوح وتوقع الأحداث القادمة، وكل هذا سيساعد على تقليل مستويات القلق.
وقدمت توصية أخرى وهي أن تتحدث العائلات مع أطفالهم حول ما يجري، حيث من المريح لهم أن يفهموا ما هو هذا الإغلاق ومدة استمراره، من المهم أيضًا أن تشرح للأطفال كيف يجب أن يعتنوا بأنفسهم، وأهمية "التباعد الاجتماعي وغسل اليدين وما إلى ذلك".
وأوضح التقرير بأنه عندما يتعلق الأمر بالأطفال المصابين بالتوحد، فمن الأفضل الاعتماد على الأدوات السمعية البصرية والكتب والتفسيرات الموجزة، والتي يمكنك العثور عليها عبر الإنترنت.
وإلى جانب مساعدة الأطفال على فهم ما يجري، من المهم أيضًا نقل السلام والهدوء، حيث يجب أن تكون الرسالة التي تقدمها الأسر لهم واضحة وبسيطة، لا تقدم كما هائلا من المعلومات، والتأكد من تقديم تفسيرات مبنية على مصادر جديرة بالثقة، ومن المهم الحفاظ على بيئة هادئة لتجنب القلق والتوتر.
منح المحبة والصبر
من جهته أكد أستاذ التربية الخاصة محمد حوامدة على ضرورة توفير عائلة الطفل المصاب بالتوحد جو أسري ملئه المحبة، أيضا عليهم الصبر والتحمل، وتكثيف تدريبه على التواصل.
وأضاف حوامدة في حديث لـ"عربي21": "أيضا يجب على الأسر توفير نشاطات لامنهجية للطفل، وتدريبه على المهارات الاستقلالية، ومهارات التواصل، ويجب عليهم السعي ومحاولة تغيير الروتين".
وأوضح بأن "المهارات الاستقلالية والتدريب عليها يعتمد على نوع الحالة وشدتها، ومن هذه المهارات، تعليمه الأكل والذهاب للحمام وتبديل ملابسه لوحده، وأيضا تعليمه مهارات اكاديمية".
وخلص حوامدة بالقول: "كل هذه الأمور والتوصيات تعتمد على درجة الحالة ومدى تكاتف وتعاون جميع أفراد الأسرة، حيث يجب على الجميع التعاون في مساعدة الطفل، لا أن تتكفل الأم بذلك لوحدها".
أنشطة متعددة
بدورها أوضحت اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والأسري أنسام سلعوس، بأن الإغلاق يؤثر على الطفل العادي وطفل التوحد على حد سواء، بالتالي بالتأكيد سيختلف الوضع على طفل التوحد".
وتابعت أنسام في حديث لـ"عربي21": "لذلك يجب على الأسر بذل قصارى جهدها لمنح الأبناء أفضل ما يكون، على الرغم من أنه قد يحدث بعض التعثر خاصة في ظل ما نعيشه من ظروف في زمن الكورونا".
وأوضحت بأن "طفل التوحد كونه كان معتادا قبل الحجر المنزلي على الخروج لمراكز أو مدارس خاصة، ولكن نتيجة الإغلاق الناجم عن تفشي كورونا وعدم ذهابه لها بالتأكيد سيشعر بوحشة ووحدة، وليس من السهل إشغاله بأي شيء قد تستخدمه الأم لإلهاء الطفل العادي".
وأكدت على "أنه في الأصل يجب أن تكون الأم والأسرة قد وضعوا خطة ممنهجة قبل الإغلاق تضمن أنشطة خاصة يقوم بها طفل التوحد بعد عودته من المركز، بالتالي يمكن للأم الرجوع لهذه الخطة واستخدامها أيضا أثناء الإغلاق".
ولفتت الاختصاصية إلى أن هذه الأنشطة تتحدد حسب درجة التوحد، هل هو شديد أو متوسط أو بسيط.
وأضافت: "مثلا الطفل الذي تكون درجة التوحد لديه شديدة، لا يحتاج للكثير من الرعاية أو الأنشطة اللامنهجية التي تنمي العقل، فهو فقط يحتاج إلى الانتباه له والرعاية العادية من طعام وملبس".
وأما في حالة الطفل المصاب بتوحد بسيط قالت أنسام: "يمكن توجهيه لممارسة العاب حركية أو العاب ألغاز كتركيب المكعبات أو قطع الصور (البازل)، وحتى لو لم يقم بتركيب اللعبة بشكل فني ممتاز، إلا أن ذلك يُعتبر بالنسبة له أنجاز وأمر ممتع، أيضا يمكن للأم مشاركته اللعب احيانا".
وأضافت: "أيضا إذا اعتادت الأم على أن تدع طفلها يشاهد مقاطع الفيديو على يمكن فعل ذلك أثناء فترة الإغلاق أيضا، إضافة لإعطائه بعض التمارين والواجبات مشابهة للتي كان يأخذها في المركز، كالتمييز بين الأشياء والأشكال الهندسية وغيرها، بمعنى أن تُكمل الأم المنهاج الذي يأخذه الطفل في المركز، كما يمكن ممارسة اللعب في المعجون فهي تنمي الأصابع، وكذلك الرسم".
وأشارت إلى ضرورة دمج طفل التوحد مع أخوته، وهذا الأمر يجب أن يكون أيضا قد حدث قبل الإغلاق وليس فقط أثناءه، وعليها أن تساعده على تنمية علاقته أكثر مع أخوته، كما عليها التحدث مع أخاه الأكبر والطلب منه التعاون معه ومساعدته في اللعب وغيرها من الأمور".
وحول السماح للطفل بمشاهدة التلفاز وما هي البرامج التي يجب عرضها عليه، قالت الاختصاصية: "الأمر يعتمد على ماذا يحب الطفل وما الذي يمتعه، فمثلا قد تعجبه الأناشيد أو مشاهدة الكرتون وهكذا، وبالطبع هذا يخص الطفل المصاب بالتوحد البسيط، لأن المصاب بالمتوسط أو الشديد قد لا يستوعب هذه الأمور".
وختمت حديثها بالقول: "في النهاية لا يوجد مقياس موحد لجميع الأطفال المصابين بالتوحد، فالأمر يتحدد ويعتمد على درجة توحده ورغباته وحاجاته وقدراته، لذلك يجب التواصل مع مدرس ومدرب الطفل في المركز والتعاون معه لفهم الطريقة الصحيحة لمساعدة الطفل أثناء الإغلاق".