Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

فيروس كورونا يرسم ملامح نظام عالمي جديد

وكالات

من المبكر الخروج باستنتاجات قاطعة، بعد مرور حوالي أربعة شهور على وباء كورونا، ورغم كل المحاولات لم يتم القضاء عليه. ولم يتم التوصل لإيجاد علاج ولقاح فعاليّن له، الأمر الذي يعزز من الاحتمالات المستقبلية في متغيرات النظام العالمي.

شبّه كثيرون كورونا بحرب عالمية ثالثة، وأعلنت جامعة جون هوبكنز الأمريكية أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا على مستوى العالم، قد تخطى المليون حالة، حسب الإحصاءات التي تجريها، في ما يعد علامة فارقة في تطور الوباء بعد نحو ثلاثة أشهر من ظهوره. ومثلما تركت الحربان العالميتان الأولى والثانية تداعياتهما السياسية والاقتصادية، التي تمثلت بعد كل حرب بشكل جديد للنظام العالمي، فبالضرورة فإن وباء بهذا الحجم أصاب غالبية دول العالم، سيترك متغيراته الجيوسياسية على هذه الدول شئنا أم أبينا. وفي تقدير لصندوق النقد الدولي، أن خسائر الاقتصاد العالمي ستبلغ خلال عامين9 تريليونات دولار، بسبب كورونا. وأضاف الصندوق أن الاقتصاد العالمي في 2020 سيكون الأسوأ منذ الكساد العظيم، مضيفا أن اقتصاد العالم سينكمش 3% في هذا العام. وهو يتوقع أسوأ انحسار في العالم منذ 4 عقود، وهبوطا حادا في منطقة اليورو.

وقال الصندوق «من المتوقع أن تؤثر هذه التطورات بشكل كبير على مصدري النفط، الذين لا يتمتعون بتنوع اقتصادي، لقد أنهكت إجراءات الإغلاق الهادفة لاحتواء فيروس كورونا المستجد الاقتصاد الأوروبي. والتوقّعات تقدر أن يتراجع اقتصاد أوروبا 7.5% هذا العام. فاقتصاد بريطانيا، التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي في يناير الماضي سينكمش بنسبة 6.5%. ورجح الصندوق أن يكون أداء الاقتصاد في منطقة أوروبا بالمجمل الأسوأ في العالم. وذكر صندوق النقد أن الاقتصاد الفرنسي سيتراجع بنسبة 7.2% بدلا من التحسّن بـ1.3%. لكن وزير المال الفرنسي برونو لو مير، توقع انكماشا أسوأ نسبته 8% مع إعلان بلاده، تمديد الإغلاق الشامل حتى 11 مايو أي شهرا إضافيا.

وبالنسبة إلى اقتصاد ألمانيا أفاد الصندوق أنه سينكمش بنسبة 7%، بينما إيطاليا، التي تعد بين الدول الأكثر تأثرا بالفيروس، ستتضرر بشكل كبير اقتصاديا، حيث يتجه الاقتصاد الإيطالي إلى التراجع بنسبة 9.1% في 2020، من جانبه أكد روجر داو، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية السفر الأمريكية، أن الولايات المتحدة، كباقي دول العالم تعرضت لخسائر اقتصادية فادحة منذ تفشي فيروس كورونا المستجد فيها. ونقلت شبكة «سي أن أن» الإخبارية الأمريكية، عن داو قوله، إن الاقتصاد الأمريكي تكبد خسائر بلغت 800 مليار دولار، حتى الآن، منها 355 مليار دولار في مجال صناعة السيارات وحدها، وأشار داو إلى أن أزمة كورونا ستزيد من مشكلة البطالة في أمريكا، فنحو 4.6 مليون عامل في مجال صناعة السفر سيفقدون وظائفهم.

الرئيس التنفيذي لشركة «يونايتد إيرلاينز» أوسكار مونوز قال، إن الأزمة الاقتصادية الحالية أسوأ من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر. وقال مونوز في رسالته إلى الكونغرس، ووزارة الخزانة نيابة عن حوالي 100 ألف موظف في شركة يونايتد إيرلاينز: «يرجى التصرف بسرعة لحماية سبل عيشنا». وكانت البورصة الأمريكية قد تعرضت لخسائر فادحة خلال الأشهر الماضية، بعد تفشي الفيروس في الولايات الأمريكية الـ50. فقد انهارت بورصة وول ستريت، وسجّل مؤشّرها أسوأ جلسة له منذ الانهيار المالي في 1987 بخسارته 10% من قيمته، وهوت أسعار النفط إلى أدنى مستوى في 18 عاما، في حين بلغ خام برنت أدنى مستوى في 16 عاما.

لقد اقتصرت الأزمات الإنسانية المختلفة في القرن الماضي والحالي على دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى وصل العديد من الدول الأفريقية واليمن إلى المجاعة الحقيقية، ومات عشرات الآلاف جوعا.

عاشت شعوب بأكملها أزمات الصحة والتعليم والطبابة والفاقة والأمية، وعدم إيجاد السكن ومديونية الفرد نتيجة لمديونية الدولة، كما عانت الحروب البينية التي أشعلتها الدول الرأسمالية، أو كانت الدافع المباشر لأنظمة في المنطقة والإقليم لإشعالها في ليبيا والسودان واليمن وسوريا والعراق، ويعاني إنساننا الفلسطيني في منطقة 48 من العنصرية الصهيونية، وفي الضفة الغربية وغزة، ظروف الاحتلال الفاشي، والحصار والمذابح والاعتقال، وهدم البيوت، وسرقة الأراضي من أجل الاستيطان، وخلع الأشجار والقتل اليومي أمام العالم بأسره، وبدلا من معاقبة إسرائيل على جرائم حرب الإبادة التي ترتكبها منذ ما قبل إنشائها (عن طريق المنظمات الإرهابية الصهيونية) وبعد إنشائها وحتى الآن، فإن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية ساندت وتساند، دولة آخر احتلال في العالم، وتحميها من أي إدانة سياسية في المنظمات والهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. ولكن الآن الأزمة تطال الجميع الأغنياء والفقراء، والحبل يلتف حول عنق الملياردير ومن لا يجد قوت يومه، ويوما بعد يوم تتضاعف المخاطر وتصاب أعداد كبيرة جديدة بكورونا، والكل بانتظار مركز بحث علمي يتوصل إلى علاج

ولقاح لها!، ونرجو أن يتم ذلك في أقرب فرصة إنقاذا للإنسانية جمعاء.

صحيح، نحن نعيش عصر الثورات التكنولوجية والصناعية والإلكترونية والاتصالاتية والتسليحية، لكن فيروسا، أثبت فشل النظام الصحي العالمي وتخلفه في دول كثيرة، بما فيها أقوى دولة في العالم، على الرغم من التحذيرات المسبقة، من احتمال ظهور وباء في أمريكا والعالم، وقد أوردت صحيفة «ذا نيشن» الأمريكية في تقرير لها نص تحذير قدّمه البنتاغون للإدارة الأمريكية عام 1917 بعنوان: «استعدوا لوباء قاتل وحضّروا المواد والأجهزة الطبية اللازمة»، لتدحض ادعاءات الرئيس دونالد ترامب بأنّ «كوفيد- 19غافل الولايات المتحدة». وأوردت الصحيفة نص التقرير المكون من مئة وعشر صفحات.

منذ بدء وباء كورونا سجل الأمريكيون تقصيرا كبيرا على الرئيس ترامب في اتباع الوسائل الضرورية لمقاومة الوباء. وإمعانا في مكابرته، أعلن الرئيس الأمريكي، أنه أمر بتعليق المساهمة المالية التي تقدمها أمريكا إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب ما وصفه بـ»سوء إدارة» المنظمة التابعة للأمم المتحدة لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وبدلا من أن يضع يده في يد الصين، ينوي رفع قضايا جنائية عليها. لقد أثبت كورنا فشل أنظمة العالم المختلفة في سرعة العمل والاتفاق على برامج للوقاية من الوباء، ووضع خطط علمية بحثية ضمن تقسيم أدوار مدروس للدول في البحث العلمي لإيجاد علاج ولقاح لهذا الفيروس الذي يهدد البشرية جمعاء. في الحروب العالمية والكونية السابقة يستطيع الإنسان أن يفهم وجود جماعتين متحاربتين، وانقسام الرأي العالمي بين تأييد هذا الفريق أو ذاك! لكننا لا نفهم الاختلاف الحاصل بين هذه الدولة أو تلك (أمريكا والصين مثلا) في محاربة العدو ذاته (الوباء) أي أن كل العالم يحارب في جبهة واحدة.

تقول الفلسفة، «السياسة اقتصاد مكثّف» فلا يمكن الفصل بين الجانبين، فالتأمين الصحي وكافة الخدمات المنوط بالدولة تقديمها لمواطنيها، منذ ولادة الفرد حتى شيخوخته وموته، هي ليست منّة من هذا النظام أو ذاك، بل هو انتخب أو أوجد لتحقيق هذه القضايا والاحتياجات الإنسانية البحتة لمواطنيه. لقد أثبت كورونا أن الشعوب ومصالحها واحتياجاتها في واد، وخطط العديد من الأنظمة لمواجهة وباء حاصد (في واد آخر)، فمن نظرية «القطيع» لبوريس جونسون، إلى التأخر في مواجهة الوباء لترامب، وإيلاء الأهمية للاقتصاد على حساب صحة الفرد، وعدم تنادي أهم تجمع جيوسياسي عالمي (وهو منظومة دول الاتحاد الأوروبي) إلى وضع الخطط التكاملية بين دوله، لمواجهة وباء كورونا وتقديم المساعدة لبعضها بعضا، سيساهم بالمعنى الفعلي في تفكيك هذا الاتحاد، ورئيس وزراء بريطانيا أخطأ خطأ العمر القاتل، الذي حتما سيؤثر في مستقبله السياسي، كذلك الرئيس ترامب

بالنسبة لكل قراراته ومحاولته مصادرة حق الكونغرس في تعيين بعض رجالات الدولة والقضاة.

تتطلب مكافحة كورونا تطوير قطاع الصحة العامة، وتعميم الوقاية والرعاية الصحية الجيدة، وليس من باب الصُّدفة أن تجد جميعُ البلدانِ التي قامت بخصخصة القطاع الصحي صعوبة في وقف انتشار الفيروس، لكن دولة صغيرة ومُحاصَرة منذ ستة عُقُود، وتنقُصُها الموارد مثل كوبا، تُساعد دولا أوروبية (إيطاليا وإسبانيا وفرنسا) بالأطباء والمُعدّات. بالتأكيد ما حصل حتى الآن، ولم ينته، سيترك تداعياته الملموسة ولو بعد حين في أشكال الأنظمة السياسية المقبلة ومحتواها والأساليب الجديدة بالضرورة فيها. كما في شكل الدولة أولا، وفي أدائها وفي دستورها، أي مثلما قال جون مينارد كينز عام 1929: يتوجب أن تكون الدولة ذات دور اقتصادي اجتماعي «دولة متدخلة» وليست «دولة حارسة»، كما يفهمها النظام الليبرالي. إننا مع دعوة أنطوني أنيت «إلى استعادة الجانب الأخلاقي للفكر الاقتصادي.

وصنع السياسات ضمن مفهوم المصلحة العامة للمجتمع. تضغط القوى المالية في العالم لتحرير أكثر من نصف البشرية من الحجر الصحي الإجباري «المطلوب طبيا لاحتواء جائحة كورونا» بحجة تعطل الإنتاج وتراجع النشاط التجاري المؤدي حتما «حسب خبراء صندوق النقد الدولي» إلى أزمة اقتصادية لم يعرفها العالم منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

هذه الضغوطات بدت منطوقة على لسان المسؤولين الحكوميين في الأقطاب الرأسمالية الذين أطلقوا صيحات فزع محذرين من طوابير العاطلين والفقراء يطلبون الشغل والمؤونة أمام المقرات الحكومية والمدنية إذا ما تواصل تعطيل الاقتصاد الحر لفترة أطول.

اعتاد النظام الرأسمالي عبر التاريخ إن يجد نسقا من بين تناقضاته يحول الأزمات إلى انتصارات جديدة ترسخ نظرية الإنسان الأخير وتؤكد نجاعة المنظومة الحرة التي أطلقت قدرات الفرد والمجموعة إلى آفاق من الرفاهة والتقدم الاجتماعي.

لكن يبدو أن «حالة كورونا» مختلفة في ظل مناورات مكشوفة للمنظومة الرأسمالية للاستفادة من الأزمة على نطاق واسع بهدف إنقاذ نفسها على حساب حقوق الأفراد في الحياة الآمنة والحماية من الأمراض… وبناء على ما كشفته أي «أزمة كورونا» من نزعة غير إنسانية لعقود من السياسات النيوليبرالية القائمة على بيع أوهام الصحة والسعادة و الرفاهة للمستضعفين…ولعل العالم مقدم «ما بعد كورونا» على السير في طريق ثالث ينتهي بإعادة نفوذ الدولة و إسعاف المضطهدين من أخطار الأسواق والشركات العابرة «دون رقيب» للقارات والعقول.

في أزمة كورونا بدت الرأسمالية وهي في أوج عنفوانها أكثر سطوة على المجتمعات تدفع دفعا الفقراء والمهمشين إلى الخروج إلى الشارع معزولين في العراء أمام انتشار الوباء وكأنها توجه المرض ليستبيح فقط تلك المجموعات البشرية المتراكمة في المصانع والمناجم والمزارع وشوارع المدن المكتظة بالباحثين عن فرص العيش، الكثير من هؤلاء قد يكون خارج دائرة الإنتاج مما يحتم حسب أدبيات الاقتصاد الكلاسيكي خروجه أيضا من دائرة الاستهلاك لتحافظ الاقتصاديات الرأسمالية على إنتاجيتها العالية.

في الولايات المتحدة الأمريكية تخبطت السلطات السياسية في فرض الحجر الصحي وعلق «ترامب» سوء إدارته للأزمة على شماعة منظمة الصحة العالمية التي قال إنها تقاعست في مده بالمعلومات الضرورية لمجابهة الوباء ورغم تواصل حصد آلاف الأرواح جراء «كوفيد 19» فإن ترامب مازال يلح في ظهوره الإعلامي اليومي على ضرورة العودة إلى العمل في أقرب الآجال لإنقاذ أنجح اقتصاد في العالم على «حد تعبيره» من الانكماش الحاصل لا محالة بعد الأزمة.

وتسير في الاتجاه نفسه حكومات الاتحاد الأوروبي والقائمون على شؤون البلدان الدائرة في فلك الاستهلاك والإشهار والمناولة.

يجري ذلك تحت ضغط «لوبيات» اقتصادية تسعى إلى إرغام السلطات السياسية على المضي قدما في خطوة يرفضها المختصون في الطب الوقائي ستقود حتما إلى محرقة قد تأتي على شعوب بأكملها في ظل غياب إجراءات جدية لحمايتهم من العدوى. وما تحذيرات منظمة الصحة العالمية من انتشار الفيروس على نطاق واسع في إفريقيا إلا دليل على ذلك.

الخروج الجزئي أو الكلي المنتظر في أوائل الشهر المقبل والذي يلح عليه العقل الاستثماري سيراكم أرباحا إضافية من خلال إثقال كاهل المستضعفين (أفرادا و مجموعات) بحاجيات جديدة تؤمن وقايتهم من الإصابة بالفيروس أثناء أدائهم لمهامهم الإنتاجية وانطلقت بعد في عديد الدول حروب الكمامات الطبية ومواد التنظيف والتعقيم ومستلزمات المستشفيات من أدوية وأجهزة إنعاش… أسواق جديدة للمضاربة والاحتكار واستغلال النفوذ فتحت أبوابها لمجموعات تدفعها غريزة البقاء للإقبال على الاستهلاك بشكل فوضوي.

هذا وسترافق العودة التدريجية لدورة الإنتاج عطايا الدولة لكبار المستثمرين المتباكين ليلا نهارا في وسائل الإعلام على الخسائر التي لحقتهم أثناء تطبيق إجراءات الحجر العام، في الولايات المتحدة مثلا ضخت الدولة أكثر من 2 تريليون دولار لمؤسسات خاصة في مواجهة التباطؤ الاقتصادي. هذا فضلا عن غنائم مفترضة تستعد الدوائر المالية الكبرى لكسبها بعد التوصل إلى لقاح لفيروس «كوفيد 19».

في الحقيقة عقل استثماري يدير الأزمة بكفاءة عالية، نجاحه أو فشله سيبقى رهين قدرة القوى المضادة على كشف زيف عقود من سياسة اقتصادية عالمية لا تعبأ بمصائر الناس وتحرص فقط على مزيد تكديس الأموال في خزائن الأغنياء.

سياسة نيوليبرالية فاسدة وفرصة عودة الدولة، لعقود طويلة ألغت الشركات العابرة للحدود سلطة الدولة «القطرية» وسيطرت على مقدرات الشعوب ونشرت أوهام السعادة والرفاهية عبر أدواتها الإعلامية واستسلم العالم لنظام يحمي القطاع الخاص على حساب الخدمات العامة لكن أزمة كورونا التي أغلقت الأجواء المفتوحة وعطلت حركة الإنتاج كشفت عورة هذا النظام الذي يقف متفرجا اليوم على مشهد مقاومة انتشار الوباء من قبل مرافق صحية عمومية عاجزة ومنزوعة الأسلحة ومتطوعين تنقصهم الخبرة والإمكانيات.

انتشار الوباء كشف عن زيف خدمات طبية استثمارية تقدمها بنايات ضخمة وشاهقة منتشرة في أرجاء الأرض وأظهر تواضع مخصصات الدولة للسياسات الصحية مما جعلها تستجدي جيوب المواطنين لمجابهة الأزمة.

السياسة الصحية التي تديرها لسنوات عديدة كبرى شركات الأدوية والتأمين الصحي والمنتجعات الاستشفائية الباهظة تغاضت عن الحقوق المبدئية لعامة الناس في الحماية من الأمراض وتبنت اتجاهات طبية مفرغة من المفاهيم الإنسانية وحولت الصحة إلى سلعة تباع فقط إلى من استطاع إليها سبيلا، وكان حتميا نتيجة لهذه السياسات أن تعجز الدولة الآن في لحظة الوباء عن مجابهة انتشاره في ظل تواضع إمكانيات المستشفيات الحكومية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى الذين هم في حاجة إلى عناية مركزة.

هذه السياسة أفرزت حسب تقارير منظمة الصحة العالمية ثغرات في مجالات العدالة الصحية والأبحاث العلمية و الخدمات الطبية العمومية مما أدى إلى تفاوت في الرعاية الصحية بين الأغنياء والفقراء خلال الثلاثين سنة الماضية حيث «يتمتع الأغنياء بأفضل أنواع الرعاية ويترك الفقراء لوقاية أنفسهم».

ما بعد «كورونا» يحتم استعادة دور الدولة لكبح الرأسمالية المنفلتة في قطاعات الصحة والتعليم والبيئة فهي الضامنة لتنشئة متوازنة وعادلة لكل الأفراد وهي القادرة على حماية البشر زمن الجوائح والكوارث دون تمييز. تحقيق هذه الأهداف سيبقى مرهونا بمجهود مدني وحراك شعبي يضغط في اتجاه إصلاح الأنظمة السياسية والاجتماعية لتنتصر للإنسان أولا فوق كل المصالح.