فارس عز الدين
يصادف اليوم الثلاثون من آذار الذكرى الرابعة والأربعون ليوم الأرض الفلسطيني، هذا الحدث الفارق في الصراع المستمر مع الهجمة الغربية الشاملة التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين لتمزيق أمتنا، وبعثرة الكتلة العربية الإسلامية الحضارية الواحدة لمنع قيام النهضة في منطقتنا لأنهم يدركون أن هذه النهضة ستكون كاشفة عورات حضاراتهم المادية التي تخلو من القيم والمبادئ. تأتي هذه الذكرى والمشهد العربي يتفاقم قتامًة في ظل تغول القوى الاستكبارية وفي مقدمتها العدوان الصهيوني في المنطقة العربية، واستمرار الاستيطان السرطاني الذي يلتهم الأرض الفلسطينية، والانحياز الأمريكي للإرهاب الصهيوني، والانقسام والتشظي في الحالة السياسية الفلسطينية وانتهاء بقطار التطبيع المتسارع الذي تقوده بعض الأنظمة العربية العميلة المرتهنة للإدارة الأمريكية.
يوم الأرض كان استجابة شعبية ثورية ضد أحكام حظر التجول والقمع والإرهاب وهدم القرى ومصادرة الأراضي في سخنين وعرابة ودير حنا لتنفيذ مخطط تهويد الجليل. هبَّ الفلسطينيون من جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة ضد الاحتلال، واتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، قامت خلالها قوات الاحتلال بأعمال القتل والإرهاب، وفتحت النار على المتظاهرين مما أدى لاستشهاد ستة فلسطينيين وجرح العشرات، وأسر أكثر من ثلاثمائة فلسطيني. هؤلاء الثوار أيقنوا أنهم يحملون أمانًة ثقيلة، فحفظوا فلسطين وافتدوها بالمهج، وغرسوا جغرافيتها وأهازيجهم وترويدة الأحرار في جينات الأجيال يتوارثونها جيلًا بعد جيل.
هذه الذكرى تؤكد أن الأرض هي محور الصراع بيننا وبين الحركة الصهيونية التي تسعى لتزوير الحقائق التاريخية وتكريس مقولتها الكاذبة "شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب". وأن جوهر الصراع بين المشروع الفلسطيني التحرري وخلفه كل أحرار الأمة والمشروع الإمبريالي الصهيوني وخلفه قوى الاستكبار. المشروع الصهيوني الذي يعمل وفق نظرية إحلال الصهاينة على الأرض وتهجير الشعب الفلسطيني في أكبر عملية سطو يشهدها التاريخ المعاصر. عملية التهجير التي أرادوا منها سلخ الفلسطيني عن أرضه وإسقاط حقه بالتقادم وفق مقولة مؤسس الكيان الصهيوني ابن غوريون " الكبار يموتون، والصغار ينسون". لقد أفشلت هذه الهبة الشعبية مشروع "الأسرلة"، ودحضت الأطماع الصهيونية في إيجاد حالة من التعايش بين الفلسطيني والمشروع الصهيوني مقابل منحهم المواطنة ومساواتهم بسكان الكيان.
هذا الاشتباك الثوري الشعبي عام 1976، يؤكد أهمية استمرار حالة المواجهة بطابعها الشعبي مع الاحتلال والحفاظ على حالة التعبئة الشعبية إلى جانب المقاومة التي تقودها التنظيمات الفلسطينية. وضرورة استثمار هذه المحطات في حالة التحرر الكامل فمنظمة التحرير التي رأت هبة يوم الأرض رافعة لدعم البرنامج المرحلي والسلام مع المحتل آنذاك يجب أن تصدمها الوقائع عبر عشرات السنوات وتتخذ مسارًا تصحيحيًا وفق مستجدات الواقع والقوى الصاعدة في العالم، فالحالة النضالية الفلسطينية ليست مطية للمنظمة وأحزاب السلطة لتستثمرها في مشاريع قزمية هي أقصر من قامة تضحيات شعبنا. فالمطلوب فلسطينيًا نبذ الانقسام البغيض والتحرر من أوهام السلطة في إطار "قليلًا من الحق في هذه الأيام القليلة" وطرح رؤية موحدة لإدارة الصراع على قاعدة المقاومة المسلحة فشواهد التاريخ والحاضر يثبتان أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وسوى المقاومة المسلحة حتى تحرير الأرض هو الوهم والسراب.
إن انزلاق "القائمة المشتركة" بالتوصية لغانتس رئيسًا لحكومة الاحتلال ساهم في إعادة ترتيب بيت العنكبوت، وكانت جسر عبور تشكيل حكومة صهيونية بعد ثلاث جولات انتخابية، إنها ضربة للعمل الوطني ونسف لتراكمات نضالية قادتها الجماهير الفلسطينية. هذه الكارثة السياسية من الهرولة نحو مشاريع الأسرلة تحت ذريعة المواطنة تتنكر للحق الفلسطيني وتساعد في تمويه شكل الصراع مع عدونا فالقضية في صلبها قضية تحرر وطني وليس تحسين شروط الحياة في ظل الاحتلال. في يوم الأرض ندعوهم للتكفير عن هذه الردة السياسية ومراجعة الذات ونبذ التعايش مع الاحتلال.
إن التضحيات المتلاحقة للشعب الفلسطيني تنسف أوهام الحركة الصهيونية ومقولة ابن غوريون "الصغار ينسون" فالصغار سنًا الكبار قدرًا من أشبال "R.B.J" في جنوب لبنان عام 1982، إلى أطفال انتفاضة الحجارة المعجزة عام 1987، إلى فارس عودة ومحمد الدرة في انتفاضة الأقصى عام2000، ومروراً بالثلة الطاهرة التي فجرت انتفاضة الأقصى الشهيدين ضياء التلاحمة ومهند الحلبي وغيرهما من الشهداء. كل ذلك يؤكد أن الحق لا يسقط بالتقادم وأن من أفشل كل المؤامرات ومشاريع التصفية المسماة زورًا "عملية السلام" هم من سيفشلون صفقة القرن ويرمونها في مزبلة التاريخ.
في يوم الأرض كفاحنا في فلسطين مستمر، وأرضنا هي عرضنا، سندافع عنها أو نفنى دونها، سنتشبث بحقنا حتى آخر قطرة دم، ولن تستطيع كل قوى الأرض أن تسلخنا عن أرضنا سواء بالقوة أو بالمغريات، فالفلسطيني الشريف لا يساوم ولا يقايض ولا يهادن، وسيبقى السلاح مشرعًا وحاضرًا طالما بقي الاحتلال. في يوم الأرض نبرق بالتحية لأرواح شهداء الأرض، ولكل القوى الحية في أمتنا التي تساند الحق الفلسطيني، وسنبقى الأوفياء لأرواح شهداء الأمة العظام عماد مغنية وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس الذين خصوا فلسطين بجهدهم، ونشكر السيد عبد الملك الحوثي على مبادرته الكريمة التي تؤكد مكانة فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي. ومعًا حتى زوال الكيان الصهيوني وانتصار الأمة.