بقلم/ شريف الحلبي
بالرغم من الوجه البشع لفيروس كورونا الذي حصد آلاف الأرواح، وعطّل الحياة في معظم أرجاء المعمورة، ومنع التنقل بين الأقطار والدول، وحتى أنه منع التجول في داخل الولايات والدول والمدن، إلاّ أنني أردت من خلال هذا المقال أن أسلط الضوء على الوجه الآخر لهذا الفيروس، فهو يتحلى بصفات لم تتحلَّ بها دول وامبراطوريات تدّعي زوراَ أنها أهلاً للعدالة والحرية والديمقراطية، كما انه استطاع أن يكشف للعالم أجمع عن جوانب مهمة تعذر فهمها بطرق ووسائل أخرى، فمن ابرز صفاته التي ظهرت بالرغم من حدّة أنيابه هي عدالته، فهو يقتل مواطني دول عظمى ودول فقيرة، كما انه لم يفرق بين عرقٍ وآخر ولا بين مذهبٍ ومذهب، لقد قتل الصيني والإيراني والإيطالي والفرنسي والأمريكي والمصري والعراقي والصهيوني والتركي واللبناني وغيرهم من دول أخرى، فالجميع أمام سكينه سواء، فيما نرى مدافع وطائرات وسلاح ومفخخات أمريكا وحلف الناتو والعدو الصهيوني وعملائهم تميز عرق عن آخر، ودول عن دول، فالفلسطيني يُقتل ويضيع حقه، والعراقي والأفغاني يذبح، والإيراني يُحاصر، صديق أمريكا و"إسرائيل" تُفتح له أبواب الدنيا، ومن يعارضهما ويقاتلهما يوضع على اللوائح السوداء، وتُغلق في وجهه كل الأبواب عدا باب السماء، فأيهما أكثر عدالة يا سادة؟! أما عن الجوانب الأخرى التي كشفها لنا فيروس كورونا فسأبدأها من الدائرة الأوسع إلى الأكثر قرباً منا، فها هي أمريكا رأس الشيطان الأكبر التي تتوزع قواعدها العسكرية في كل العالم، وتجوب أساطيلها وقواتها كل الكرة الأرضية وحتى في الفضاء تعترف بالعجز في توفير الإمكانيات الوقائية الصحية والوسائل الطبية اللازمة لمواجهة خطر فيروس كورونا، في المقابل فهي تستعرض عضلاتها على العالم منذ عقود وتفتخر بأنها أكبر مُصَنِّع ومصدر للأسلحة في العالم، إنها تصرف على أسلحة القتل والدمار وإشعال الفتن والحروب التي شاهدناها في العراق وأفغانستان وفيتنام وفلسطين ولبنان وسوريا أكثر مما تصرف على الوقاية والحماية من أخطار الجراثيم والفيروسات والأمراض الفتّاكة لتحفظ أرواح مواطنيها وشعوب العالم، وبالتالي نستطيع أن نقول أن مشروعها ليس مشروع حياة كما تدَّعي وإنما هو مشروع موت وتدمير.
هذه الصورة تنسحب على الدول العربية التي تصرف أموال طائلة وموازنات كبيرة جداً في شراء السلاح الذي يقتل ويدمر قبل توفيرهم لسبل الوقاية الصحية والدواء لشعوبهم لأنها حكومات تريد الحفاظ على حياتها وملكها دون اكتراث بحياة شعوبها، فاليمن تكتوي بنيران أسلحتهم وسوريا كذلك، فيما جبهتهم الداخلية هشة ضعيفة بل معرضة للانهيار في القطاع الصحي ومن قبله البنية التحتية والتعليم وغيرهم. وعند تضييق الدائرة أكثر لنرى المشهد الفلسطيني نجد المأساة التي تسبب في جزء كبير منها الانقسام البغيض، لقد تفوقت الحسابات الصغيرة والتجاذبات المقيتة على مصلحة الوطن الكبرى وحياة أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل ومخيمات اللجوء التي تستصرخ وتستغيث!، فالقطاع الصحي الفلسطيني عموماً وخاصة في غزة متآكل وضعيف وهش، والإمكانيات شحيحة جداً والكوادر الطبية ضعيفة والكفاءات منها هاجرت، وتزداد قصيدة "مأساتنا" بيتاً عندما نسمع من جهات دولية في ظل خطر فيروس كورونا الكبير بأن حكومة رام الله لم تعط غزة حصتها من المعدات التي زودتها بها منظمة الصحة العالمية! ألهذا الحد الاستهتار بحياة البشر والاحتكام إلى تصفية الحسابات بدل الاحتكام إلى الحس الوطني والإنساني؟! وأختم بالحديث مجدداً عن عدالة فيروس كورونا الذي أجبر العالم على تذوق مُر القتل والحصار الذي تجرعته غزة ودول أخرى كاليمن وسوريا والعراق وغيرها لسنوات لنصبح في الحصار والقتل سواء، إنها ليست شماتة ولكنها تجربة لهزّة الضمير التي لن تؤتي أكلها – كما أظن - لأننا أمام نماذج لحكومات عربية وغربية قست قلوبها فهي كالحجارة أو أشد قسوة.