د. محمد مشتهى
الخيار السياسي سواء عجبنا أم لم يعجبنا، سواء خيار صحيح أو غير صحيح، سواء خيار منطقي أو خيار غير منطقي، فانه يبقى في النهاية خيارا سياسيا تتخذه الدول أو الأحزاب، والرد على الخيار السياسي لا يكون ردا أدبيا أو تلميحيا أو بالسب أو بالشتم أو بسرد قصص شهريار وشهرزاد، بل يتم الرد عليه سياسيا.
كثير من الأنظمة العربية والاسلامية أخذت خيارا سياسيا واتجهت نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنها دولا مركزية في المنطقة، هذا يعتبر خيارا سياسيا لتلك الأنظمة، والأهم من ذلك كله هو الخيار السياسي الفلسطيني الذي يُتّخذ تجاه العدو.
الحقيقة هو أن دورنا كفلسطينيين يتراجع، وسرعان ما نقتنص أي حدث مقاوِم ولو بسيط كي نروي منه قصة وحكاية والايحاء لأنفسنا وللعالم بأننا نقاوم هذا العدو بشراسة ثم نقنع أنفسنا بأننا اقتربنا من تحرير فلسطين، ليس هكذا تتحرر الأوطان.
إنّ حجر الرحى في مجمل الخيارات السياسية هو نحن الفلسطينيون، ومطلوب عندما نناضل ونقاوم ألا نُحَمِّل أحدا منَّة أو فضلاً في ذلك، لأننا ندافع عن بيوتنا، ومطلوب أن نخرج من دائرة الاشتباك مع العدو التي يرافقها صُراخ على العرب والمسلمين والاستجارة بهم، ومطلوب ألا نعاير الأخرين بأننا ندافع عن العروبة وأننا خط الدفاع الأول عنهم ولولانا لدخل الكيان عواصمهم، تلك الاسطوانة والبحث عن الشفقة لم تعد تجدي نفعا، نحن لا ندافع عن العروبة ولا عن عواصم الدول العربية، نحن ندافع عن بيوتنا وعن أرضنا، ولنفترض أن الكيان الصهيوني إحتل كل العواصم العربية التي يدعي البعض أننا ندافع عنها، فهل هذا يعني حينها التوقف عن قتال من يحتل أرضنا؟!، الأصل أننا ندافع عن سمائنا وأرضنا وإنّ تضامن الشعوب والدول في النهاية تحصيل حاصل، اذا صار هذا التضامن كان بها واذا لم يحصل ما في مشكلة ومطلوب أن نستمر بالدفاع عن أرضنا.
المسجد الأقصى هو للمسلمين جميعا وهذا صحيح، لكن سواء جاء المسلمين أم لم يحضروا للدفاع عنه فهذه تبقى أرضنا ويجب الدفاع عنها، سواء كان المسجد الأقصى في فلسطين أو لم يكن فيها، فانه مطلوب القتال لأجل تحرير الأرض، فالله عز وجل يقول: "أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا"، وأنت أيها الفلسطيني ظُلمت باغتصاب أرضك، حتى لو لم تكن مسلما مطلوب أن تدافع عن أرضك، لكن من فضل الله علينا أنه خُلقنا مسلمين كي ننال أجر الدفاع عن أرضنا، فالفيتناميون لم يكونوا مشايخ أو مسلمون عندما دافعوا عن أرضهم، والفرنسيون والانجليز والأمريكيون كذلك لم يكونوا مشايخ أو مسلمون، فالدفاع عن الأرض هو شيئ طبيعي بالفطرة بغض النظر عن الدين والاعتقاد، لكن نحن كمسلمين كرامةً لنا قال الله عز وجل: "انّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"، فالقتال عن الأرض هو طبيعي بالفطرة سواء بالأجر أو بدون الأجر، تماما عندما يُطعم المرء أهل بيته، فالطبيعي عند كل البشر هو اطعام أهل البيت، لكنك كمسلم الله أعطاك أجرا على فعل ذلك، وتلك هي عظمة الاسلام والدين.
اذن الدفاع عن الأرض والبيت والوطن شيئ طبيعي ولا يستدعي كل هذا الصراخ، وأنت أيها الفلسطيني تقاتل وتدافع عن حريتك، واذا لا تريد القتال والدفاع عن أرضك وأردت العيش، بإمكانك ذلك لكنك ستعيش مثل الصراصير في الجحور، اذن القيمة الأساسية التي نحن نقاتل وندافع عنها هي حريتنا وليست العروبة ولا عواصمها، وهذه ليست دعوة للكفر بالعروبة، لكن مطلوب من المقاتل ألا يحمِّل العرب ولا المسلمين منَّة الدفاع عن حريّته وعن أرضه فهذا واجبه بالدرجة الأولى وفي حال جاء العرب والمسلمين لمساعدته في أداء واجبه أهلا وسهلا، أما في حال لم يأتوا فهذا ليس مدعاة للتكاسل والصراخ والمعايرة.
قطعا هذا المقال ليس دعوة للكفر بالعروبة أو للتعصب الفلسطيني، لكن نحن نقول بأن مصر ليست محتلة والأردن كذلك والسعودية والامارات وغيرها من الدول العربية، لكن نحن الفلسطينيين الذين أحتلت أرضهم، لذلك مطلوب منا القتال أولا.
هناك 13 مليون فلسطيني في العالم مطلوب تثويرهم، ولو تم تثوير نصف مليون منهم فقط بدلا من الصُّراخ على العرب والمسلمين فهذا كفيل بأن يحرر فلسطين.