نشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية تقريراً يسلط الضوء على خبايا التعذيب "الإسرائيلي" للأسرى الفلسطينيين،استنادا لـشهادات مؤسسات حقوقية.
وتروي مؤسسات حقوقية، من ضمنها مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، أن عملية تعذيب الأسير سامر العربيد (45 سنة)، والاعتداء عليه بالضرب بدأت منذ لحظة اعتقاله، حتى وصوله إلى معتقل “عوفر” الإسرائيلي غرب رام الله، حيث تم الشروع مباشرة بالتحقيق معه، وضربه بشدة في شتى أنحاء جسده.
ويستهل التقرير حديثه بالقول إن المواطنة المقدسية نورا مسلماني، زوجة العربيد ، لم تستطع أن تخفي تأثرها وهي تستذكر اللحظات المرعبة التي واجهتها بعيد اعتقال شريك حياتها مؤخراً.
اعتقل العربيد، وهو واحد من نحو 5000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2019، من أمام مكان عمله في اتحاد لجان العمل الزراعي في مدينة البيرة، ولم يدر في خلده وعائلته أنه سيواجه أوضاعاً اعتقالية قاسية، كادت أن تودي بحياته. تقول مسلماني: “كنا نخشى على حياة سامر، خاصة أن الأخبار كانت شبه مقطوعة، ولا يوجد أي نوع من التواصل معه”.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فبحسب “الضمير”، تعرض العربيد أيضاً للشبح على الطاولة، بمعنى إبقاء الأيدي مقيدة ومرفوعة للأعلى والخلف فوق رأسه، مع وصلها بطاولة خلفه، وفي الأثناء يقوم محقق بضربه على صدره ويديه ووجهه بقوة، مع سحب يديه للخلف مباشرة. كما تعرض العربيد للشبح على الحائط وهو يقف على رؤوس أصابعه وقدميه مثنيتين، مع الضرب بشكل متواصل، والضغط على رقبته بشدة ومحاولة خنقه، إلى جانب دفعه للوقوع أرضاً، والجلوس على صدره ولكم وجهه.
وقد نقل العربيد بعد يوم من التعذيب الشديد في “عوفر” إلى مركز تحقيق “المسكوبية” في القدس، ليتواصل مسلسل تعذيبه، الذي قاد إلى حدوث مضاعفات صحية خطرة له، ما اضطر سلطات الاحتلال إلى نقله إلى مستشفى “هداسا” في القدس المحتلة. وقد أصيب العربيد بنزيف رئوي وكسور في أضلاع صدره، ورضوض في جميع أنحاء جسده، إضافة إلى فشل رئوي. وعن ذلك تضيف مسلماني: “شاهدت سامر للمرة الأولى بعد ثلاثة أيام من تحويله إلى المستشفى، وكان في وحدة العناية المكثفة، وقد كانت الوحدة تعج بضباط المخابرات والشرطة، وبعد إلحاح شديد سمح لي برؤيته لمدة ثلاث دقائق”.
وأوضحت أنه بعد شهرين من اعتقاله، حول سامر إلى سجن الرملة، ولدى محاكمته سمح لها برؤيته لخمس دقائق فقط، وقد أحضر على كرسي متحرك، وتتابع: “للوهلة الأولى صدمت لأن جسده كان هزيلاً، إذ فقد نحو 20 كغم من وزنه، وكان متصلاً بجهاز لتزويده بالأوكسجين. لم يسمح لنا بالحديث إليه سوى لدقيقتين، وكان يعاني صعوبة في التحدث، بسبب الكسور في صدره”.
وتشير مصادر حقوقية إلى أن الأسير المقدسي وليد حناتشة (51 عاماً) أيضاً تعرض للضرب بشدة على الوجه والأرجل والصدر، ما أدى إلى سقوطه مرات عديدة، ليتم رفعه من قبل المحققين، ومواصلة ضربه وشبحه، إضافة إلى إزالة “نتف” جانب من شعر لحيته ورأسه، ما سبب له نزيفاً، وكدمات في الرقبة ومقدمة الرأس.
ولم تقتصر الأمور على تعذيب حناتشة جسدياً، بل امتدت لتعذيبه نفسياً أيضاً، عبر اعتقال ميس، وتقول: “قامت قوات الاحتلال بعد نحو أسبوع من اعتقال والدي، باعتقالي أيضاً لمدة ثلاثة أيام، في مسعى منهم للضغط على أبي لانتزاع اعترافات منه”. وتزيد: “بعد 48 يوماً من اعتقال أبي، تمكنت وأمي من مقابلته في جلسة المحاكمة، وقد سمح لنا برؤيته لدقيقتين. كنا نبحث عن أبي في القاعة، وكان هناك شخص من بعيد ينادي على أمي.. بيان بيان، وللوهلة الأولى ولمدة ثوان لم تعرف أن هذا أبي، إذ كانت لحيته منتوفة وبيضاء اللون، وكان متكئاً على الخشب وغير قادر على المشي، وصوته ضعيفاً متقطعاً”.
وتكشف المؤسسات الحقوقية في تقريرها تفاصيل تعذيب الأسير أيسر معروف (28 عاماً) من قرية عين قينيا لا تقل وطأة في حدتها عن سائر زملائه في أقبية السجون. تقول نور حامد زوجة هذا الأسير إن أيسر اعتقل من المنزل خلال آب/أغسطس الماضي من قبل وحدة عسكرية إسرائيلية خاصة، عمدت منذ اللحظات الأولى إلى الاعتداء عليه بالضرب، قبل أن يصار إلى نقله إلى “المسكوبية”، حيث تعرض لتحقيق قاس، استخدم فيه الشبح وأساليب تعذيب شديدة.
وتضيف حامد وهي حامل: “تعرض أيسر لضغوط شديدة، عبر استدعائي مرتين إلى “المسكوبية” أثناء التحقيق معه، وإبلاغه بأنني معتقلة، في مسعى لحمله على الإدلاء باعترافات معينة، وبعد 30 يوماً من اعتقاله تمكنا من رؤيته في معتقل “عوفر”، وقد كان بادياً عليه آثار التعذيب، ويعاني آلاماً مبرحة، ولم يكن قادراً على الوقوف، وكان وجهه شاحباً، كما تم توجيه لائحة اتهام له لا علاقة له بما ورد فيها”، منبهة أنه عندما اعتقل زوجها لم يكن قد مضى سوى شهر على زفافهما، واليوم تنتظر مولودتها الأولى، التي على ما يبدو لن يكون بوسعه التواجد إلى جانبها، عندما تبصر النور قريباً.
تفنن بالتعذيب
وتعد قصة الأسير عبد الرازق فراج (57 عاماً)، من سكان رام الله، نموذجاً إضافياً لمعاناة المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال. فقد اعتقل فراج إدارياً (أي تبعاً لملف سري) أكثر من مرة، ليعاد اعتقاله مجدداً بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2019، حيث صدر قرار جديد بحبسه إدارياً لمدة ستة أشهر، لكن بعد قضائه نحو شهر قيد الاعتقال. وجرى في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019 تحويله إلى “المسكوبية”، ليخضع لتحقيق قاس على مدار أكثر من 40 يوماً، تخلله تعذيب جسدي ونفسي شديدان.
التعذيب النفسي
ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدري أبو بكر، إن " إسرائيل ركزت على التعذيب الجسدي العنيف مؤخراً أثناء التحقيق، كما حصل مع العربيد، الذي تم إصدار قرار من قبل قاض عسكري بمنح المحققين كافة الصلاحيات اللازمة لانتزاع إفادات “اعترافات” منه في غضون فترة وجيزة جداً". ويضيف: “خلال يومين كان وضعه الصحي قد تدهور جداً، ولم يسمح لمحام ولا حتى للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارته”.
كما يشير إلى حالة الأسيرة ميس أبو غوش (23 عاماً) وهي طالبة من سكان مخيم قلنديا شمال القدس، التي اعتقلت في 29 آب/أغسطس 2019، حيث تم إرسالها عقب اعتقالها إلى حاجز قلنديا العسكري، حيث جرت محاولة تفتيشها بشكل عار، فرفضت، فتم تهديدها بتفتيشها بالقوة، قبل أن يصار إلى التنكيل بها من قبل عدد من الجنود وتهديدها بالاغتصاب وفق ما أكدت مؤسسة “الضمير”.
ويضيف أبو بكر: “في بداية اعتقالها، تم سحبها من شعرها وهي على الأرض لمسافة طويلة، قبل أن يتم التحقيق معها باستخدام أساليب تعذيب عنيفة، شملت أيضاً استدعاء شقيقها الأصغر سليمان ووالدها ووالدتها بهدف الضغط عليها، عدا الشبح، وإسماعها أصوات صراخ وضرب معتقلين آخرين في التحقيق، لإرهاقها نفسياً والضغط عليها”.
ويلفت إلى تطور أساليب التعذيب لتشمل الشق النفسي، وأن الاحتلال الإسرائيلي صعد من إجراءات التعذيب في الآونة الأخيرة لانتزاع اعترافات، علماً بأن أساليب التعذيب العنيفة استخدمت في السابق، وأدت إلى سقوط عدد من الشهداء في سجون الاحتلال. ويورد مثالاً على ما ذهب إليه قيام محققين قبل عقود، بخلع أظافر اليدين والقدمين، ووضع الأسير في زنزانة حديدية ضيقة حيث كانوا يبقونه لساعات طويلة، مضيفاً: “عندما كان يفتح السجانون الزنزانة، كان الأسير عادة مغشياً عليه، نظراً لعدم قدرته على التنفس بشكل طبيعي”.
وأشار وزير شؤون الأسرى والمحررين السابق، عيسى قراقع، إلى أن التعذيب يمثل جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، بيد أنه يعتقد أن ملف تعذيب العربيد وعشرات الأسرى خلال الأشهر الأخيرة لم يحظ بالاهتمام الكافي.
(القدس العربي)