قسام الزعانين
بدايةً لابدّ من معرفة الهدف الذي كان يسعى إليه الفريق سليماني والحاج أبو مهدي المهندس من خلال تحركاتهم الميدانية ودعمهم المتواصل لحركات المقاومة خاصة في سوريا والعراق ولبنان، لقد كان الهدف هو منع تقسيم هذه البلدان، ومنع إقامة كيانات عميلة تخدم الأهداف الأمريكية الإسرائيلية بالمنطقة، ومن أعظم ما تم تحقيقه هو منع إقامة دولة مسعود برزاني"كردستان العراق"، ودولة"حلب"في سوريا، و"كيان إرهابي على الحدود اللبنانية"، وهذا الهدف قد تمّ بحمد الله تعالى تحقيقه، فقد تعافت سوريا والعراق ولبنان، وانقطعت الأيدي اللئيمة التي تناور بها أمريكا وإسرائيل، بل تعدى الانجاز إلى تأسيس حركات مقاومة ضخمة أبرزها الحشد الشعبي العراقي، ودعم وتقوية جبهات أخرى بحيث أصبحت أكثر خبرة وصلابة وقوة وعدد وعتاد، وهذا السبب الرئيس الذي جعل الإدارة الأمريكية تتخذ قرار اغتيال سليماني والمهندس..
أما بخصوص الرد الإيراني على اغتيال الفريق سليماني فلقد تحقق الرد الأول من أول ساعات الاغتيال، عندما أعلنت أمريكا بأنها وراء الحادثة، وهذا يعني أن الفريق سليماني قد أصاب المشروع الصهيوأمريكي في مقتل، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منه إلا الأمريكي، وهذا يعني أن إسرائيل وحلفائها من دول الخليج لم يتجرؤوا على المساس بهذا الرجل ففوضوا الأمريكي بذلك، وهذا يعني أن إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة يدركون قوة إيران، ويهابون الاقتراب منها، ومما يؤكد هذا المعنى والذي يعتبر انتصارا حقيقياً ورداً حاسماً على عملية الاغتيال أن نتنياهو في اجتماعه مع وزرائه أبلغهم بأن عملية اغتيال سليماني شأنٌ إيراني أمريكي لا علاقة لنا به، وهو ما قاله الحلفاء في الخليج أيضاً..
ثم الرد الثاني كان من خلال تعيين قائداً جديداً لقوة القدس، حيث كلف السيد الخامنئي اللواء إسماعيل قاآني خليفة للفريق سليماني، وهذا يعني بأنّ الأهداف، والمشروع الإيراني مستمر ولن يتوقف، فهذا مبدأ وعقيدة راسخة لدي النظام الرسمي الإيراني، وهذه الرسالة كانت واضحة وجلية وضربة قوية لأمريكا وحلفاؤها..
أما الرد الثالث فقد كان صفعةً مدويةً لهدفٍ أمريكي إسرائيلي خليجي، وهو إحداث الشرخ والفجوة بين الشعبين العراقي والإيراني، والذي كاد أن يحدث في المظاهرات الأخيرة في العراق، حيث قام عملاء الأمريكان بحرق المقامات وقتل شخصيات واستهداف إعلامي للحشد الشعبي، ورفع رايات بخروج إيران من العراق، كل ذلك ذهب أدراج الرياح، حيث خرجت الجماهير العراقية الواعية الحريصة على الوحدة لتشييع الشهداء العراقيين والإيرانيين جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف، وبذلك انهارت كل المخططات الرامية إلى زرع العداوة والفتنة بين الطرفين..
وأما الرد الرابع فكان بخروج الملايين من أنحاء إيران لوداع الفريق سليماني والحاج المهندس، وخاصةً في مدينة الأهواز ذات الغالبية السنّية، والذي يعني بأن مشروع الحصار الأمريكي منذ سنوات قد ذهب أدراج الرياح، فالشعب الذين كان يُنتظر منهم الخروج ضد النظام في إيران ها هو يعلن وبكل قوة عن الاستعداد للتضحية بكل شيء للانتقام من الأمريكي والإسرائيلي، ويهتف بصوت الواثق المنتقم"الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل"، وهذا يعني أيضاً بأن المشروع الخليجي بتأليب أهل السنة في إيران على النظام أيضاً قد فشل، رَغم دفع الملايين للمرتزقة والعملاء، وهذا الرد من أقوى الردود على السياسة الأمريكية بأن هذا الحصار الاقتصادي سيواجه بصمود ليس له مثيل..
الرد الخامس على عملية الاغتيال كان بالزلزال الذي صدر عن البرلمان والحكومة العراقية بوجوب خروج دول التحالف وعلى رأسها أمريكا من العراق، وهذا ما أصاب الإدارة الأمريكية في مقتل، حيث أصبح الآن أي تواجد أمريكي أجنبي في العراق هدف لحركات المقاومة التي ساعد وساهم في تقويتها ودعمها الفريق سليماني والحاج أبو مهدي، وهذا الذي يجعل الأمريكي يقف على رِجل ونص بانتظار أي هجوم على قواته التي ترتعد فرائسها الآن في كافة أنحاء العراق، وبالتالي ستبدأ حرب الاستنزاف مع حركات المقاومة العراقية، والتي قطعت على نفسها عهداً بالانتقام لقائدهم أبو مهدي المهندس ورفاقه، والتي لن تنتهي إلا بخروج حتمي للأمريكي من العراق.
الرد السادس هو حضور حركات المقاومة الفلسطينية ممثلة برئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الحاج زياد النخالة، حيث أطلق هنية لقب شهيد القدس على الحاج سليماني، وهذا يعنى بأن محور المقاومة لن ينفرط عقده المتين بعد اغتيال سليماني، وبعد كل محاولات الحصار والتشويه التي تتعرض له فصائل المقاومة الفلسطينية، وبعد محاولات جذب هذه الحركات نحو تيارات عربية وإقليمية أخرى، وهذا الحضور والاستقبال والاجتماع مع قيادة المقاومة الفلسطينية خاصة مع قائد قوة القدس الجديد العميد قاآني يؤكد بأن مشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مستمر ولن يتراجع، وبأن فلسطين بالنسبة لإيران هي قضية مقدسة، وعقيدة ومبدأ، وبالتالي فإن غياب الحاج قاسم لن يؤثر سلباً على دعم المقاومة في فلسطين، بل صرًح البرلمان الإيراني بدعم قوة القدس ب 200مليون دولار، وبالتالي فالدعم يزيد ويزيد ولن يتراجع أبداً..
أما الرد السابع فهو الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، والذي يجب أن نبدأ به هو الاتفاق الإيراني بأن الهجوم يجب ألا يؤدي إلى حرب مفتوحة بين الطرفين، وفي ذلك مصلحة إيرانية كبرى، وهذا ما كان حيث ابتلعت أمريكا الضربة، رغم أن العالم بأسره شاهد القاعدة الأمريكية وهي تشتعل ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وحمد ترامب الرب على سلامة جنوده في القاعدة على حد زعمه وبالتالي ظهرت الجرأة الإيرانية الكبيرة في الرد العسكري على أعتى قوة عسكرية في العالم، وبالتالي صدقت القيادة الإيرانية في تهديدها ووعيدها، ليخرج الشرفاء في الوطن العربي ويعبروا عن فخرهم واعتزازهم بهذا الهجوم المشرّف..
وبعد هذه كله هل انتهى الرد على اغتيال الفريق سليماني والحاج المهندس؟
يمكن القول بأنّ سياسة حياكة السجاد الإيرانية قد بدأت مع انتهاء الرد الصاروخي، حيث ستكشف لنا الأيام المقبلة عن سياسات الرد الغير معلنة والتي ستنتهجها إيران والتي لن تنتهي بإذن الله إلا بإخراج القوات الأمريكية من العراق وسوريا على الأقل، عندها ستدرك أمريكا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته باغتيال الفريق الحاج قاسم سليماني، ورفيقه الحاج أبو مهدي المهندس، حيث ستتغير وجه المنطقة لتبدأ مرحلةً جديدةً نحو تحقيق رغبة وأمنية الفريق سليماني بالصلاة في القدس..