شريف الحلبي
.لم يكن لديّ أدنى شك بأن رد إيران العسكري الأولي قادم لا محالة، قوياً وسريعاً ثأراً للرمز الأممي سليماني ورفاقه الشهداء، بل جاء أسرع مما نتوقع، كما أنني على يقين بأن عنوان المرحلة الجديدة «جلاء القوات الأمريكية من المنطقة» الذي خطّته إيران بصليات من نار سيتحقق لا محالة بمشيئة الله، ويقيني ليس علماً بالغيب ولا درباً من الخيال، فهو مصداقٌ لقول الشاعر الكبير محمود سامي البارودي: ولست بعلّام الغيوب وإنما . . . أرى بلحاظِ الرأي ما هو واقع، فقراءة الأحداث السياسية بالعقل الاستراتيجي، ومسح الخارطة الجيوسياسية، وبتحليل منحنيات الصعود والهبوط للقوة العسكرية للمكونات المختلفة التي تتشكل منها المنطقة، وبتحليل نقاط قوة وضعف الأطراف المشتبكة والفرص والتهديدات، نصل إلى نتيجة مفادها ألاّ مستقبل لأمريكا في الشرق الأوسط، وقد عزّز الرئيس ترامب هذا الإتجاه من قناعاتي بقوله رداً على الهجمات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني: لسنا بحاجة لنفط الشرق الأوسط!! بعد أن كان يعلن جهاراً نهاراُ بأن وجوده من أجل نفط المنطقة ومن أجل ضمان أمن أمريكا الصغرى «اسرائيل»، وقد صرف تريليونات الدولارات لأجل ذلك، وخاض حروباً لتحقيقه، وكان جزءاً أساسياً من دعايته الإنتخابية، الآن يتراجع ترامب عن ثابت من هذين الثابتين في سياسته الخارجية وهو «الحصول على النفط»، وهذا يمكن أن ينسحب تدريجياً على موقع «اسرائيل» في ترتيب الأولويات في العقل الاستراتيجي لترامب، ما يعني أن ضمان أمنها قد لا يصبح أولوية، كل ذلك يخضع لحسابات التكلفة والمصلحة، فإذا أصبحت تكلفة الوجود أكبر من المكاسب المتحققة فلن تتردد أمريكا بالخروج من المنطقة تجر أذيال الخيبة، وهو الأقرب إلى التحقق لإحداث حالة تموضع جديدة تفيد في الحرب التجارية الناعمة مع الصين.
وبالعودة إلى ما حدث فجر الأربعاء الماضي من رد إيراني أحرق الجناح الأمريكي من قاعدة عين الأسد الاستراتيجية بعدما أحرق عيون النعاج التي عماها الحقد المذهبي والطائفي، وباعت ضمائرها وأغلقت عقولها، ولولا خيط الحياء المتبقي لأقامت صلوات التوفيق والسداد للمجرم ترامب ونتانياهو ليمحو ايران عن الوجود بمن فيها شيعةً كانوا أم من السنة الذين خرجوا بالملايين في الأهواز لتشييع قائد محور المقاومة، هذا الرد يحمل دلالات ومعاني عابرة لحدود الفهم السياسي الضيق، فهو نقطة تحول مفصلية افتتحت مرحلة جديدة في مجابهة رأس الاستكبار العالمي «أمريكا» وحلفائها وأدواتها، ويمكن أن نجمل بعضها فيما يلي:
1- لقد قتلت الصواريخ «الهيبة الأمريكية» التي صنعتها أمريكا بالحديد والنار منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تجرؤ أي دولة على المس بهذه الهيبة مهما فعلت بها أمريكا، واليوم تسقط كأول ضحايا الهجوم الجريء، وكما كانت «تل أبيب» من المحرمات وأصبح خبر قصفها لا يختلف عن قصف عسقلان، فإنه في المرحلة الجديدة سيعتاد العالم على سماع أخبار قصف القواعد الأمريكية دون غرابة.
2- ندية ايران العالية، وتنفيذها الضربة رغم تهديد ترامب الذي قال»سنرد بشكل سريع وقوي وربما غير متناسب»، وتحذيرها بقصف قلب الكيان الصهيوني، يعني استعداد قتالي وجهوزية عالية وهو ما يعني أننا أمام دولة يمكن الرهان عليها وقوة محورية ستعزز الثقة لدى قوى المقاومة وتحديداً في فلسطين وترسخ حالة التوجه نحو تلك القوة لاستعادة الحقوق المغتصبة.
3- ما حدث سيشجع الأقطاب الكبيرة «روسيا» و «الصين» لتطوير شكل العلاقة مع ايران «الدولة الوازنة» وربما التفكير في تشكيل تحالفات توازي بقوتها وتأثيرها حلف الناتو بحيث تكون ذات أهداف عالمية تنهي حالة أحادية القطبية في قيادة العالم.
4- نجاح الصواريخ في إصابة أهدافها، وفشل منظومات الدفاع الجوية الأمريكية المتطورة في اسقاطها يقلص من الحصة السوقية للأسلحة الأمريكية على حساب ارتفاع فرص زيادة الحصة السوقية للأسلحة الروسية مما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على بيع الأسلحة.
5- ما حدث سيساهم في سرعة حل أزمة اليمن وأزمة سوريا، ويقلل من حجم العداء الصارخ من حكام الخليج لإيران خوفاً من أن تصلهم نار العزم الايراني ومحورها القوي أمام تصاعد الجرائم هناك.
هذه بعض الدلالات وستثبت الأيام أنها كثيرة وكثيرة ولكن أكثر الحاقدين لا يعلمون.