عوني صادق |
آخر المعلومات المتسربة عما يسمى «صفقة القرن» الأمريكية، نشرتها قبل أيام، صحيفة (إسرائيل اليوم - 2019/12/15) «الإسرائيلية»، ونسبتها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والدائرة الضيقة المحيطة به. ومما جاء في تلك المعلومات أن ترامب قد يعلن رسمياً عن تفاصيل «صفقة القرن» قبل تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» المقبلة. وذكرت الصحيفة أنه سيتقرر خلال أيام ما إذا كان سيتم نشر كافة التفاصيل أو يتم التحفظ عليها حتى انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل! وتجدر الإشارة إلى أنه قبل أكثر من عام، أعلن كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، صهره جاريد كوشنر، عن الانتهاء من صياغة «صفقة القرن» منذ حوالي عام من تاريخه، وتأجل نشرها بسبب الانتخابات «الإسرائيلية» التي كانت حملاتها قد بدأت، ثم تأجلت للسبب نفسه أكثر من مرة.
والحقيقة أنني كنت، في ضوء ردود الفعل الفلسطينية، بل والعربية وبعض الأمريكية و«الإسرائيلية»، أظن أن هذه «الصفقة» قد ماتت ودفنت بعد قرارات ترامب التي أنهت كل القضايا الرئيسية التي كانت قد اعتبرت «قضايا الحل النهائي» في «اتفاق أوسلو»، والتي تشمل قضايا القدس والمستوطنات والحدود وحق العودة، وكذلك موت «حل الدولتين» واستحالة إقامة «الدولة الفلسطينية»، حيث ثبت للمتابعين أن «الصفقة» لم تكن أكثر من «خدعة» و«خطة وهمية» قصد بها جر الفلسطينيين إلى «فخ» أخير ينهي قضيتهم الوطنية، بعد أن يتيح الوقت الكافي ل«شرعنة» كل الإجراءات «الإسرائيلية» الهادفة للاستيلاء على ما بقي من الأرض الفلسطينية. لكن ما نقلته الصحيفة «الإسرائيلية» أظهر أن «الخدعة» لم تنته بعد، وأنها مستمرة في طريقها لإزالة ما بقي من العقبات، مع أن «تقديرات» الصحيفة نفسها أشارت إلى أن ترامب نفسه يبدو وكأنه تخلى عن مساعيه «لتحقيق السلام»! وقد ظهر ذلك في قوله في «المؤتمر الإسرائيلي- الأمريكي» الذي عقد مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ قال: إنه يحب الصفقات «وسمعت أن الاتفاق بين «إسرائيل» والفلسطينيين هو الأصعب»، وأضاف: «ولكن إذا لم يتمكن كوشنر من القيام بذلك، فعندئذٍ لا يمكن عقد مثل هذا الاتفاق»! وهكذا سلم ترامب «الراية» لصهره «الصبي العبقري»!!
لقد وصل استهتار ترامب وإدارته ومهرجيها بالشعب الفلسطيني وبقضيته الوطنية حداًً جعل بعض «الإسرائيليين» يكفون الفلسطينيين مؤونة الرد عليهم وفضح صفقتهم، وفي الوقت نفسه يكفي ردهم لفضح المواقف الفلسطينية والعربية التي لا تزال تتعامل معه ومعها. فهذا الكاتب «الإسرائيلي» حيمي شاليف في مقال له نشرته صحيفة (هآرتس- 2019/6/10) قبل أشهر، يقول: «كوشنر قال إن الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم. وجرينبلات يوبخهم بشكل دائم وكأنهم أطفال مارقون! وفريدمان يطلق بين الفينة والأخرى تصريحاً يوضح أن إدارة ترامب تبنت مصطلحات ومواقف مجلس (يشع) للمستوطنين»! ويتابع شاليف: «الفلسطينيون لا يرون في مقاربة أمريكا تكتيكاً بل أمراً جوهرياً، وهم على قناعة بأن يد أمريكا الممدودة لهم تهدف إلى خنقهم وخنق طموحاتهم الوطنية. وبالنسبة لهم، الأمريكيون ليسوا وسطاء نزيهين، بل بوق لنتنياهو»!
ويختم شاليف مقاله بالقول: «لو لم يتعلق الحديث بالرئيس الأمريكي ومبعوثيه، لأمكن الرد على تصريحات كوشنر وجرينبلات وفريدمان بشكل ساخر، لأن الأمر يتعلق بمهزلة من الدرجة الأولى، كوميديا فنية، مسرحية هزلية تثير السخرية...»!!
في رأيي، أن الكاتب «الإسرائيلي» الصهيوني، شاليف، كفانا مؤونة الحديث عن ترامب ومستشاريه ومهرجيه و«صفقته»، ولأن بعض الفلسطينيين وبعض العرب في هذه الأيام يصدقون «الإسرائيليين» أكثر ما يصدقون أنفسهم، كان هذا الاقتباس الطويل، وأتساءل: بماذا يمكن أن يوصف فلسطيني أو عربي يقبل أن يتعامل مع «صفقة ترامب»، وهل أبقى شاليف له حجة يغطي بها عمالته أو استسلامه؟!! لقد رفض الفلسطينيون، بكل «طوائفهم» وتنظيماتهم، على مستوى البيانات والإعلانات «صفقة ترامب»، لكن هذه المواقف اللفظية لن تمنع ترامب، أو الحكومة «الإسرائيلية»، من تنفيذ ما عقدوا العزم عليه، من داخل «الصفقة» أو من خارجها، والسؤال: هل يظل أولئك يتمترسون وراء هذه المواقف اللفظية؟!