د. محمد مشتهى
التفاهمات التي حدثت نتيجةً لمعركة صيحة الفجر هي ليست نهاية المطاف ولا هي التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولا هي تفاهمات كاملة الأوصاف، وتلك التفاهمات والتي تحدّث عنها القائد زياد النخالة في مقابلته على فضائية الميادين والتي لم يحاول تضخيمها بل وصفها بأنها تفاهمات بسيطة ثم قال عن رد سرايا القدس بأنه رد منخفض.
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة رجل محترم ومجاهد وليس مدلِّس سواء اختلف البعض معه أو أحبه أو لم يحبه، هو لا يكذب ولا يضخّم الأمور ولا يعمل "من الحبة قبة".
عندما سألته المذيعة النخالة عن مسيرات العودة أجابها بكل وضوح ودونما تضخيم أنها ذات طابع معنوي وأن تلك المسيرات تراكم حضور للحق الفلسطيني وعلى رأسه حق العودة، هو لم يقل أن المسيرات ستعيد لنا فلسطين كما يردد البعض، الأخ أبو طارق رجل واقعي ويتكلم بصدق وبِفَهم وبِنَفَس المجاهد الثائر المضحّي.
سرايا القدس أخذت على عاتقها بالرد على استباحة العدو للدم الفلسطيني، أخذت القرار حتى قبل حادثة الاغتيال كما قال امينها العام، نعم ان سرايا القدس اخدت على عاتقها كقوة مقاومة أن ترد على اعتداءات العدو على مسيرات العودة، وهذا رد مدروس والتزام من السرايا ينسجم لما تم الاتفاق عليه سابقا في الغرفة المشتركة بأنه في حالة الاعتداء على مسيرات العودة ان يتم الرد.
العدو الصهيوني هو من بدأ المعركة باغتيال القائد الفلسطيني بهاء ابو العطا وزوجته وهم نائمون وأيضا محاولة استهداف قائد من قادة الشعب الفلسطيني في دمشق واستشهاد نجله ومرافقه، وان رد سرايا القدس على المعتدي هو رد أولي وفطري وطبيعي وسيناريو معد سلفا كما قال الاخ ابو طارق.
هناك من يقول بأن عدد الشهداء كبير وهذا بسبب خلل لدى سرايا القدس، إذن فليبقَ المقاتلين في البيوت ومطلوب ألا يخرجوا لممارسة أعمالهم المنوطة بهم، وهكذا فإن طائرات العدو لن تجد أحدا منهم لتستهدفه!!!! هل هذا ما يريده البعض؟ وهل هكذا تُفهم الأمور؟ هذه تكنولوجيا ومنصات صواريخ ومدفعية وإعداد وتلقيم واطلاق، هل هذه المهام سيتم تأديتها من داخل البيوت؟!، المجاهد يأخذ كامل الحيطة والحذر ولا احد من المجاهدين يخرج ليؤدي مهمته وهو يشير بجسده للطائرة كي تقصفه، ثم انه (وهذا ليس تبخيس بدماء الشهداء) ان عدد الشهداء الذين ارتقوا في هذه المعركة لا يقارن بمعارك أخرى.
هناك من يستدعي ماضي الجهاد الاسلامي الجيّد (حسب تعبيرهم) ليقارنه بالحالي كي يبرر لنفسه الانقضاض على حاضر الجهاد الاسلامي، وكأن يُقال لأحدهم: إنت كنت بالماضي "كويس" لكن الآن "زفت"، يوهمون القارئ بأنهم منصفون للجهاد الإسلامي بذكرهم ماضيه وهذا ليس صحيح وينم عن ذهنية غير متصالحة مع نفسها وهو نوع من Reaction Formation النفسي الذي يُظهر للناس عكس ما يُبطنه في نفسه، وفي النهاية هؤلاء تفضحهم لغتهم وكلماتهم، ولو اردت استخدام نفس السلوك مع أحد المنقضّين اليوم واستدعيت ماضيه لأقارنه بحاضره لوجدت أنه لم يختلف البتّة، وأنه متخصص للنيل من القيادات الفلسطينية سواء الأحياء منهم كما يفعل مع الاخ ابو طارق الآن أو الشهداء منهم كما فعل سابقا مع الشهيد ياسر عرفات "رحمه الله".
أما بالنسبة لأهداف وانجازات المعركة، لن أقول بأن الانجازات ستعيد فلسطين، الأهداف واقعية والعدو أصلا خرقها والمقاومة أعادته للالتزام بها مجددا، وبالمناسبة العدو من المؤكد انه سيعيد اختراقه للتفاهمات كما فعلها قبل ذلك مرات ومرات، لكن في هذه المعركة تم ارسال للعدو رسائل من نار، ولولا أنه يوجد رقابة رهيبة على الاعلام الصهيوني، لعرف العالم نتيجة تلك الرسائل النارية، التي جعلت مليون صهيوني وعشرات المدن المغتصبة مصابة بالشلل التام وقد حوصرت لمدة ٣ أيام كما صرّح ليبرمان اليوم موجها كلامه لنتنياهو عندما اراد ان يتباهى بالنصر قائلا له: الجهاد الإسلامي حاصر تل أبيب لمدة ٣ أيام، هذا حق من حقوق الفلسطيني بأن يفتخر بما يفعل أبناؤه المقاومين.
سمعت الاستاذ أسامة حمدان خلال المعركة يقول بأن نفس الشيئ لو حدث مع حماس (يقصد حادثة الاغتيال للشهيد بهاء ابو العطا) فإنها من الطبيعي أن ترد مباشرة، لأن التنظيم يرد في البداية ثم التنظيمات تلحقه بالرد هكذا قال حمدان. وإن من الطبيعي على التنظيم أن يرد على استباحة العدو للدم الفلسطيني وهو ليس بحاجة الى انتظار اجماع او انتظار او استئذان أحد، ومطلوب ألا يكون هناك من يمنع هذا الرد الفطري الطبيعي، وفي حال وُجد المانع حينها من الظلم أن نطلق عليها اسم مقاومة.
هل كان مطلوبا من الأخ زياد النخالة ان يخرج على الهواء مباشرة في ظل المعركة أن يبكي أم يردح كما تعود أن يفعل على الفضائيات وفي الاتجاه المعاكس؟
يا أخي الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأي أحد الصحابة قبيل بدء المعركة يمشي باستكبار، قال عن مشيته: أنها موضع أو مشية يحبها الله ورسوله (أي الاستكبار على العدو)، فالاستكبار في هكذا مسائل مطلوب، وابو طارق استكبر على العدو وليس على اخوانه ووجّه رسائل للعدو واستعرض قوته على العدو وليس على شعبه وهذا هو الكبرياء بلا تكبر.
خروج الأمين العام للجهاد زياد النخالة ليتحدث عن الاتفاق علنيا وعلى الهواء مباشرة هذا يعتبر مزيد من الشفافية، وانه تم التواصل من اول ساعة من بعد الاغتيال مع الجهاد الإسلامي من قبل الأمم المتحدة ومن مصر لعدم التصعيد تحت نظام (ضربني وبكى وسبقني واشتكى)، لذلك كان لزاما على السرايا ان ترد ثم يأخذ الرد مداه الطبيعي، لأن العدو هو من صعّد في البداية.
فلسطينياً؛ الاشتباك مع العدو أصلا متواصل والشعب الفلسطيني هو في حالة حرب، فوجود الاحتلال هو اعلان حرب، الحصار المفروض هو اعلان حرب، الاستيطان هو اعلان حرب....حتى في الدين والشرع وليس في السياسة فقط، العدو الصائل؛ أي بمعنى المحتل لأرضك تماما، ما يعني ان الجهاد هو فرض عين على الجميع وبإمكان المرأة أن تخرج لتجاهد دون اذن زوجها والعبد دون اذن سيده، فالقصة أصلها هي الاشتباك مع هذا العدو حتى تتحرر فلسطين، هذا الكلام عجب البعض ام لم يعجبه فهذا شأنهم، لكن الله عز وجل فرض هذا القتال علينا حيث يقول تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)...هل يمكن الانكار بأن هذا العدو صائل؟ هناك الف مبرر ومبرر وطني وديني وأخلاقي لمقاتلة ومشاغلة هذا العدو الصائل.
إن إعلان زياد النخالة لشروط المقاومة لوقف اطلاق النار على الهواء مباشرة هو اذلال للعدو أكثر، فهل مطلوب من "أبو طارق" أن يدلِّس بأن يتفق في الغرف المغلقة على شيئ ثم يُعلَن للناس شيئ آخر؟
الجهاد الإسلامي اذا دخل الغرفة المشتركة هو يبقى الجهاد الإسلامي بفكره ووعيه وعطائه واستعداده وقوته، وإذا خرج منها ايضا سيظل كذلك، والغرفة المشتركة ليست مقدسة، وهذا لا يعني انها دعوة للخروج منها، وبالتأكيد الجهاد الإسلامي مع الاجماع وتوحيد وتنسيق العمل المقاوم ودوما يحرص على ذلك، والغرفة المشتركة ليست قيداً على مواجهة العدو، وهي مطلوب ان تكون عونا على مواجهة العدو وهذا هو مبرر وجودها أصلا، وفي حال فقدت مبرر وجودها فهي ليست مقدسة والمطلوب حينها مغادرتها بلا تردد.
وان تساؤل البعض بشأن الصواريخ الكبيرة ولماذا لم تستخدمها سرايا القدس، إن سرايا القدس لا يمكن لها من اول المعركة أن تستخدم كامل قوتها وهذا ما قاله الامين العام في مقابلته عندما قال: استخدمنا القوة بشكل منخفض، ودوما المهم ليس حجم القوة المستخدمة بقدر ما الذي سيتحقق من نتائج جراء استخدام تلك القوة، سابقا المقاومة استخدمت القوة لمدة ٥١ يوم وحققت نتائج، اليوم المقاومة استخدمت القوة لمدة ٣ ايام وحققت نفس النتائج، فالعبرة ليست بحجم القوة المستخدمة....وفي النهاية الجميع على يقين بأن العدو لن يلتزم بأي تفاهمات، أصلا متى التزم العدو بها؟ لذلك قال الاخ ابو طارق بان المقاومة ستعاود ضرب العدو في حال لم يلتزم بالتفاهمات.
في الاخير....التقييم الموضوعي للمعركة ونتائجها هو المقبول بل هو المطلوب، لكن الغمز واللمز بالقيادة ووصفها بالاستعلاء وغيرها من الأوصاف في حين لم يجف دم الشهداء بعد، هذا ليس تقييم بل هذه دعوة موتورة وحقد وتصويب مباشر على المقاومة، ينسجم ويتساوق مع نتنياهو الذي صوّب ولا يزال يصوب على المقاومة.