قالت مستشرقة "إسرائيلية"، إن "التراجع الذي أبداه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا في قبوله استلام أموال المقاصة من إسرائيل يثير كثيرا من التساؤلات المشروعة، لأن ما حصل مناقض لكل تصريحاته السابقة في رفض استلام هذه الأموال المقتطعة، والسؤال الأهم عن الثمن الذي قد يدفعه بسبب هذا القرار في تنازله عن الشعارات التي رفعها مقابل تحصيل هدوء أمني في الضفة الغربية".
وأضافت دانة بن شمعون في مقال على موقع "منتدى التفكير الإقليمي الإسرائيلي"، ترجمه "عربي21" أنه "بعد ثمانية أشهر من رفض عباس استلام أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل شهريا، وترسلها للخزينة الفلسطينية، بدا كأنه صعد إلى شجرة عالية، وأعلن في العديد من المنتديات والمؤتمرات التي شارك فيها أنه لن يوافق على استلام أموال الضرائب، طالما أن إسرائيل تخصم منها قيمة الأموال التي تدفعها السلطة للأسرى وعائلات الشهداء، وكان لسان حاله: إما الكل أو لا شيء".
وأشارت ابن شمعون، خبيرة الشؤون الفلسطينية، إلى أن "الوضع المالي الفلسطيني في رام الله بدأ بالتزعزع، وموازنة السلطة التي يأتي جزء أساسي منها من أموال الضرائب، باتت تشهد حالة من عدم الاستقرار، مما أدى لنشوب أزمة تهدد الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، وقد حذرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من نتائج هذه السياسة، وأكدوا أن هذه الأزمة قد تسفر في النهاية عن فوضى أمنية في الضفة الغربية".
وأكدت أن "الرفض المتكرر لعباس طوال الأشهر الثمانية الماضية وصل أخيرا إلى منتهاه، حين وافق على إجراء مفاوضات مع إسرائيل لاستعادة مليار ونصف شيكل، وهو بذلك نزل عدة درجات عن السلم، مما اعتبرتها أوساط فلسطينية وإسرائيلية عديدة بأنها تراجع، خاصة بعد أن أبدت إسرائيل عنادا وإصرارا على عدم تغيير قرارها".
وأوضحت أن "السؤال المحوري هو: ما الذي جعل عباس يغير موقفه 180 درجة، ويوافق على التسوية مع إسرائيل؟ وتتلخص إجابة السؤال فيما أشارت إليه أوساط في فتح والسلطة الفلسطينية، التي عبرت عن استيائها من رفضه المتكرر لاستلام أموال المقاصة منذ اللحظة الأولى، وتتركز دوافعهم في هذا الانتقاد في أنه لم يكن من اللازم رفض استلام كل الأموال منذ البداية".
وأضافت أن "إسرائيل لا تقدم للفلسطينيين معروفا، هذه أموالنا، وحقنا الطبيعي أن نحصل عليها، كان بإمكاننا أن نأخذ هذه الأموال، ثم نتوجه للأمم المتحدة والجهات الدولية، والدخول في صراع قضائي ودبلوماسي مع إسرائيل حول اقتطاعها لأموالنا، لذلك لم يكن هناك سبب وجيه للتنازل عن أموالنا بشكل طوعي، كلنا ندعم عائلات الأسرى والشهداء، لكن لماذا نعطي إسرائيل هذه الهدية؟".
وختمت بالقول بأن "الخشية من القلاقل الأمنية، ومنع نشوب أزمة اقتصادية، وانفجار اجتماعي في الضفة الغربية، هي الأسباب التي دفعت عباس للتنازل عن موقفه، واستلام أموال المقاصة منقوصة، لاسيما في حقبة تشهد حرب وراثة تتحضر لليوم التالي الذي سيشهد غيابه عن المشهد الفلسطيني".
وأكدت أنه "رغم أن اقتطاع الرواتب في قطاع غزة يتم منذ سنوات، لكن غزة بعيدة، أما حين يصبح الأمر في الضفة الغربية القريبة، فإن ذلك يشكل خطرا على سلطة عباس وكرسيه، وهو حريص أكثر من سواه على إطفاء النار قبل انتشارها".