د. محمد مشتهى
بالإضافة لكل ما قيل من تفسيرات حول ما قاله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في كلمته بذكرى الانطلاقة الجهادية عن حصار غزة "لإسرائيل".... تذكرت أبياتاً لمحمود درويش وكيف كان يطلب من القوى الفلسطينية المحاصَرة في بيروت بأن تحاصر حصارها بالجنون وبالجنون....قائلاً في قصيدة سقط القناع:
قتلاك أو جرحَاك فيك ذخيرة
فاضرب بها، اضرب بها عدوك
فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ.
حاصر حصارك لا مفر..
اضرب عدوك لا مفر..
سقطت ذراعك فالتقطها
وسقطْتُ قربك فالتقطني
واضربْ عدوك بي
فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ
وفي قصيدة أخرى لدرويش بعنوان "أحمد الزعتر" يقول:
أنا أحمدُ العربيُّ -فليأتِ الحصارْ
جسدي هو الأسوار -فليأت الحصار، وأنا حدود النار -فليأت الحصار، وأنا أحاصركم
أحاصركم
و صدري بابُ كلّ الناس - فليأت الحصار
محمود درويش يعتبر مدرسة في الثورة والنضال والوعي، وهو الذي كتب وثيقة إعلان الاستقلال بالإضافة الى كونه عضو لجنة تنفيذية سابق في منظمة التحرير الفلسطينية، هو يخاطب المقاتلين والمقاومة الفلسطينية المحاصَرَة في بيروت والتي كان على رأسها آنذاك ياسر عرفات "أبو عمار رحمه الله"، ثم يطلب منهم بأن يحاصروا حصارهم بالجنون وبالجنون، ثم يقول لهم بأن يجمعوا شهداءهم وجرحاهم لتكون ذخيرة يضربوا بها العدو "مَن يحاصرهم".
بكل تأكيد هناك معنى ورسالة أراد أن يوصلها درويش الى المقاتِل الفلسطيني المحاصَر وهي: ضرورة استجماع القوة ولملمة الجراح والأشلاء من جديد كي يتم محاصرة الحصار ومواجهته، ودرويش بالتأكيد لا يعني أن يتم القاء اليد المبتورة مثلاً او جثث الشهداء على العدو، إنما هي دعوة لاستجماع القوة الذاتية للمقاومة الفلسطينية لضرب العدو عن قوس واحدة وبذلك يتم محاصرة وكسر الحصار.....وربما جاءت هذه الدعوة من الأمين العام بأن غزة الآن باتت تستجمع قواها الذاتية لتضرب بها الحصار وتضرب بها عدوها وبقوس رجل واحد، تستجمع قوتها بمقاتليها، وبعنادها، وبإصرارها، وبكبريائها، وكذلك بفصائلها العسكرية وقوة حلفائها، وبهذه الطريقة يتم حصار الحصار، ولربما هذا ما فهمته من كلمة الأمين العام.
ويمكن إعتبار كلمة حصار غزة ل "إسرائيل" (التي تحاصر غزة) هي كلمة السر وشيفرة فك الحصار، وان فك تلك الشيفرة يكمن بأنه مطلوب من غزة أن تستجمع قوتها بالمصالحة والوحدة الوطنية ومغادرة أوهام السلام مع العدو والاستعداد للقتال والتوحد بالميدان عبر الغرفة العسكرية المشتركة، وتلك هي شيفرة استجماع القوة التي باتت غزة الآن تعمل عليها كي تحاصر حصارها وتنهض من جديد، تماما كما قال درويش لياسر عرفات والمقاتلين الفلسطينيين عندما كان العدو الصهيوني يحاصرهم في بيروت.
وكأن الامين العام استوحى هذا المعنى من محمود درويش، وتلك هي قراءة للنهوض من جديد واستجماع للقوة بمختلف أنواعها، أي القتال بكل ما نمتلك من قوة، واستجماع كل القوة الذاتية والاجتماعية والسياسية والعسكرية مع قوة الأصدقاء والحلفاء، وبالتالي تصبح غزة تحاصر حصارها، هذا هو المعنى المجازي والأدبي والتثويري من مقولة الأمين العام: غزة باتت تحاصر من يحاصرها.
وختاما؛؛
فان الأمين العام يبشّر دائما بحتمية انتصار الدم على السيف وأننا لا نملك الا خيار المقاومة والاشتباك مع العدو، وهذا اليقين بالقدرة على الحاق الهزيمة به هو درب العظماء عبر التاريخ بل وأزيد بأن هذا اليقين مستمد بوعد من الله بنصر المؤمنين.