Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الانتخابات الإسرائيلية في ظل التناقضات

_HIS0026_400x400.jpg

يلخص مشهد خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي مسرعا بفضل صواريخ أطلقتها حماس من غزة المحاصرة اثناء القائه لكلمة في تجمع قرب غزة مدى الأزمة التي يواجهها. خروجه الرمزي أمام قصف صاروخي قد يرمز لخروجه المحتمل من المسرح السياسي وذلك بفضل قضايا فساد تلاحقه وبفضل بروز منافسين من قلب اليمين الإسرائيلي. لقد سئم الناخب الإسرائيلي من طول مدة وجود نتنياهو كرئيس للوزراء، كما ومن صراعه مع كل من يهدد قيادته.


إن الكيان الإسرائيلي ليس في أحسن حالاته. هذه هي ثاني انتخابات للبرلمان الإسرائيلي خلال خمسة شهور. وهذا دليل على وجود أزمة تزداد عمقا. فبالرغم من الحالة الاقتصادية الإيجابية، والعلاقات العربية الجديدة والقوة العسكرية وانهيار أوضاع العالم العربي وانحياز إدارة ترامب لنتنياهو، تعاني إسرائيل من خوف مستمر من المستقبل واستنزاف بفضل سعيها التوسعي وصراعها الدائم مع الشعب الفلسطيني من أجل مزيد من الأرض، كما وتعاني من انقسام عميق بين التيار الديني من جهة والتيار العلماني بشقه اليميني واليساري من جهة أخرى. فالتيار العلماني ملتزم بتعديل قوانين تتعلق بالدين والدولة والجندية لليهود المتدينين الأرثوذوكس ممن يرفضون مبدأ الخدمة العسكرية. و يقود نتنياهو حملة انتخابية جوهرها الخوف من المحيط والاستمرار في سياساته الداخلية وتحالفاته مع التيار الديني. لهذا وعد نتنياهو الناخب بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. إن نتنياهو يسعى لكسب أصوات المستوطنين وأصوات كل إسرائيلي يخشى المستقبل.


التحدي الحقيقي لنتنياهو قادم هذه المرة من مجموعة سياسية جديدة تشبهه وتطرح ذات المخاوف التي يركز عليها اليمين. إذ يقود المجموعة الجديدة الرئيس السابق للأركان الإسرائيلي بيني غانتس تحت مسمي: الأزرق والأبيض. في الانتخابات السابقة في نيسان/ابريل الماضي فاز تيار الأزرق والأبيض بـ 35 مقعدا، لكن نتنياهو الذي فاز بفارق ضئيل فشل في بناء تحالف حكومي يستند إلى أغلبية في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي المكون من 120 عضوا. وبنفس الوقت لم ينجح غانتس في تلك الانتخابات بتشكيل حكومة تحوز على أغلبية برلمانية.


فالأغلبية البرلمانية يجب أن تكون في الحد الأدنى مبنية على دعم عدة أحزاب بما يساوي مجموعه 61 مقعدا في الكنيست وما فوق. لقد أدى الانقسام الكبير الذي ألم بالبنى الإسرائيلية الى إعادة الانتخابات التي بدأت منذ يومين. هذه الانتخابات قد تؤدي لخسارة نتنياهو، وهذا مجرد احتمال، لكنها قد تؤدي لفوزه بفارق ضئيل دون أن ينجح في تشكيل حكومة مما قد يعيده لنفس الحالة التي ألمت به في الانتخابات الأخيرة. في هذه الحالة قد يقع سيناريو غريب: بناء تحالف بين الازرق والابيض وحزب الليكود بشرط إخراج نتنياهو من الليكود.

لا تبدو إسرائيل ذاهبة نحو انفراج، فهي متورطة باضطهاد الشعب الفلسطيني ومتورطة بتاريخ دموي ومتورطة بإمكانية نشوء مواجهة مسلحة، وتعاني من تناقضات جمة في الداخل


ويسهم أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية السابق وممثل الكتلة الإسرائيلية الروسية وقائد حزب إسرائيل بيتنا في السعي للتخلص من نتنياهو. لقد اختلف ليبرمان مع نتنياهو في مسايرة التيارات اليهودية الدينية وإعفائها من الجندية. وقد أدى هذا الموقف لزيادة شعبية ليبرمان بين الكثير من اليهود الرافضين لتحكم التيار الديني في حياتهم. تخوف هذه الكتلة من تحول إسرائيل لدولة دينية يضيف على التناقضات الداخلية ويشق قوى اليمين، كما ويؤثر على العلاقة مع اليهود الأمريكيين ذوي الميول الدينية المعتدلة. فالتيار الديني في إسرائيل لا يعترف بالكثير منهم يهودا. لقد سبق لليبرمان أن استقال من منصبه ووزيرا للدفاع في حكومة نتنياهو (2018) بسبب سياسة نتنياهو تجاه غزة، فقد أراد ليبرمان تصعيدا عسكريا تخوف نتنياهو من أثره على إعادة انتخابه.


ومن العوامل المؤثرة على الحالة الإسرائيلية قيام الرئيس الأمريكي ترامب منذ أيام بإقالة بولتون مستشار مجلس الأمن القومي. فبولتون هو أحد أكثر أعضاء الإدارة الأمريكية دعما لإسرائيل خاصة إنه منظر للمواجهة العسكرية ضد إيران، ومنظر للتدخل العسكري الأمريكي، كما أنه مؤيد لكل نظام عربي يمد يده لإسرائيل. لقد خرج بولتون من إدارة ترامب لأن سياساته تجاه إيران باءت بالفشل. بل حتى تصعيد الحرب بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية لا يمكن أن يخرج عن السياسات الإيرانية التي تسعى لإيصال الأمور للحافة طالما أنها لا تصدر نفطا. خروج بولتون يوضح بأن الولايات المتحدة قادرة على رمي كل الاوراق وبالتالي مفاجأة الحلفاء باستدارات مفاجئة.


في هذه الانتخابات تعجز إسرائيل عن الإجابة على السؤال الاساسي: كيف ستتعامل مع ضم أجزاء كبيرة من الضفة في ظل غياب حقوق الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس وفي ظل التميز العنصري ضد الفلسطينيين في أراضي 1948. ورغم كل ما يقال بأن هذا الوضع قابل للاستمرار، الا أن الامر الوضع الفلسطيني لن يبقى كما هو، فهل تبقى السلطة الفلسطينية أم يتم حلها؟ وهل تستمر مسيرات العودة في غزة بينما تبدأ مسيرات العودة الفلسطينية في الضفة؟ وهل يبدأ الشعب الفلسطيني انتفاضة هادئة طويلة الأمد مطالبا بالحقوق والعدالة وحق الحياة والحق بالأرض والمكان والعودة؟ كيف ستتصرف إسرائيل مع تصاعد النضال ضد نظام الأبارثهايد الإسرائيلي.


لا تبدو إسرائيل ذاهبة نحو انفراج، فهي متورطة باضطهاد الشعب الفلسطيني ومتورطة بتاريخ دموي ومتورطة بإمكانية نشوء مواجهة مسلحة على الجبهة اللبنانية او السورية، وتعاني من تناقضات جمة في الداخل. إسرائيل مستمرة بالتزامها ببناء واقع استيطاني استعماري، لكنها في هذه المرحلة لا تدفع ثمنا كبيرا لاحتلالها واستيطانها. هل تتغير بعض التوازنات بفضل هذه الانتخابات؟ هذا ما سيتضح بصورة أكبر في قادم الأيام.