ضحية أخرى لضحايا الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، وبترجل الأسير الشهيد بسام السايح يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 221 شهيداً، وعدد شهداء سياسة الإهمال الطبي الممنهجة التي تمارسها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحق أسرانا المرضى، إرتفع إلى 65 شهيداً، وهذا الرقم مرشح للزيادة فهناك مئات الحالات في سجون الاحتلال من أسرى شعبنا التي تعاني من أمراض، منهم 160 أسير وأسيرة يعانون من أمراض مزمنة، ولا تتلقى الرعاية الطبية من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية.
استشهاد الأسير بسام السايح يفتح الباب على مصراعيه للتفكير بمصير أسرانا من جنرالات الصبر الذين مضى على وجودهم ثلاثين عاماً وما فوق في سجون الاحتلال، هؤلاء طليعة شعبنا الفلسطيني وقياداته وقاماته الوطنية، ليسوا مجرد أرقام، بل مناضلين من اجل الحرية دفعوا ثمناً باهظاً على المستويات الشخصية والوطنية والمجتمعية، وما زالوا ثابتين على مواقفهم ومبادئهم، ولكنهم ينتابهم شعور بان الجميع تخلى عنهم، فلم تعد قضيتهم في سلم أولويات السلطة والفصائل إلا في الإطار الشعاري والإنشائي والاحتفالي، ولكي تصبح قضيتهم مادة دسمة للمزايدات بين الفصائل المختلفة، وليس قضية أسرى يحتاجون إلى حرية.
علينا ان نعترف بان جزءاً كبيراً من هؤلاء الأسرى أصحاب الأحكام العالية والمؤبدة، وبالتحديد من الداخل الفلسطيني-48- والقدس،هم ضحايا اتفاقية أوسلو، حيث رفض الاحتلال التفاوض مع منظمة التحرير على مصيرهم، باعتبارهم مواطنين «إسرائيليين»، حملة الجنسية الإسرائيلية من الداخل الفلسطيني -48 -، وحملة الهوية الإسرائيلية من أسرى القدس، ولذلك القبول بالمواقف الإسرائيلية وتقسيمات الأسرى حسب الجغرافيا وحسب التهم، أضر كثيراً بقضية الأسرى، وما نشهده اليوم هو نتاج تلك السياسة الكارثية والقبول بالشروط الإسرائيلية.
لم يعرف التاريخ البشري هذا العدد من الأسرى، ليس فقط من دخلوا سجون الاحتلال من شعب كشعبنا، أكثر من 800000 فلسطيني دخلوا سجون الاحتلال منذ بدايته، وهذا الرقم كل يوم مرشح للزيادة... ولا أفاق قريبة تنهي مأساة أسرانا في سجون الاحتلال، تجعلهم يعودون على أرجلهم وليس في أكياس سوداء على ظهورهم.... جنرالات الصبر الفلسطيني، هم نائل البرغوثي، كريم يونس، ماهر يونس، محمد الطوس، وليد دقه، صالح أبو مخ، إبراهيم أبو مخ، إبراهيم بيادسة، احمد أبو جابر، سمير أبو نعمة، محمد داود، بشير الخطيب، محمود أبو خربيش، جمعه آدم ورائد السعدي.... وقائمة أخرى تطول.
جزء كبير من أهالي الأسرى التقيتهم أكثر من مرة في سجون الاحتلال، وسؤالهم المركزي، ماذا فعلتم لنا من اجل نيل حريتنا..؟؟؟، وهل سنبقى أسرى المواقف الإسرائيلية وما يسمى بحسن النوايا،أو رهن إطلاق سراحنا بتقديم تنازلات سياسية فلسطينية، تجعل إمكانية إطلاق سراحنا مستحيلة وضرباً من الخيال .
دعكم من كل الألقاب أيقونات النضال الوطني الفلسطيني، وجنرالات الصبر وغيرها من الألقاب، ثمة سؤال جوهري موجه لكل قادة شعبنا واحزابنا وفصائلنا،هل يعقل ان نبقى هذه المدة في غياهب سجون الاحتلال ..؟، والكثير منا جسده أصبح مجمعاً لأمراض مزمنة، وكل طموحه من هذه الدنيا ان يخرج ليعانق أو يحضن والده أو والدته أو كليهما قبل رحيلهما عن هذه الدنيا،فكم والد/ والدة أسير، رحل/ت عن هذه الدنيا، ولم تتكحل برؤية ابنها، تعانقه وتحتضنه، وتفرح لزفافه.
أين هم المتشدقون بحقوق الإنسان والحريات في العالم، مما يحدث ويرتكب من جرائم قمع وتنكيل وموت بطيء بحق أسرانا في سجون الاحتلال..؟؟،ألم يكفل لهم القانون الدولي والاتفاقيات الدولية،الحق بالرعاية الطبية وبالمعاملة اللائقة..؟؟.
إسرائيل تمارس كل أشكال البلطجة والخروج عن القانون الدولي، وتعتقل أو تستدعي للتحقيق أطفالاً لم يتجاوزا الرابعة والسادسة من أعمارهم، كما هو الحال مع أطفال العيسوية وغيرها، ولم نسمع بان هناك جهة دولية دعت إلى فرض عقوبات دولية على إسرائيل، لخرقها لحقوق الطفل والإنسان، فبقاء إسرائيل دولة فوق القانون الدولي والإنساني، بفضل الرعاية والحماية لها في المؤسسات الدولية من قبل أمريكا وقوى الغرب الاستعماري يشجعها على الخرق المستمر للقانون الدولي.
نحن مأساتنا ليس فقط في الانقسام الذي طال الحركة الأسيرة، بحيث لم تعد قادرة على التضامن مع نفسها، كما نرى في الإضرابات المفتوحة عن الطعام، والتي لم تعد جماعية وموحدة، بل أضحت فصائلية وفردية، بل التعامل الموسمي مع قضية الأسرى كقضايا احتفالية واستعراضية، ولم تصبح هماً جمعياً لكل أبناء شعبنا الفلسطيني، فمن خلال المشاهدات لحركة التضامن مع أسرى شعبنا الفلسطيني المضربين عن الطعام، نجد بان هناك تراجعاً كبيراً في الفعاليات الشعبية المناصرة لهم والمتضامنة مع مطالبهم وحقوقهم، وهناك غياب كبير للفصائل في التحشيد وتنظيم وقيادة الفعاليات الشعبية والجماهيرية لدعم وإسناد هؤلاء الأسرى، فالعديد من فعاليات دعم ومساندة الأسرى، كان عدد الصحفيين ووسائل الإعلام، أكثر من عدد المتضامنين أنفسهم، مما يعكس عمق أزمة الفصائل والتراجع الكبير في ثقة الجماهير بها وفي دورها وقيادتها، والمؤسسة الرسمية والمقصود هنا السلطة، دورها هامشي وغائب عن صنع الحدث والفعل.
باستشهاد الأسير بسام السايح، يجب علينا ان ندق ناقوس الخطر،علينا ان نمتلك الجرأة للقول بأننا قصرنا بحق أسرانا، علينا أن نوحد كل جهودنا وطاقاتنا من اجل دعم هؤلاء الأسرى في نضالاتهم وتضحياتهم، علينا ان نعلي وطنيتنا فوق حزبيتنا، فالأسير هو أسير وطن وقضية، وليس أسير هذا الفصيل أو ذاك، فالموت بات يتهدد العشرات من أسرانا، نتيجة سياسة الإهمال الطبي بحقهم من قبل إدارة مصلحة سجون الاحتلال، وكذلك جنرالات الصبر من أسرانا الذين مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاماً، آن الآوان لكي يقذفهم السجن، ويخرجوا من غياهبه.