د/ محمد خالد الأزعر
اجتثاث شعب فلسطين من وطنه التاريخي بشتى الأساليب المتصورة وغير المتصورة، وإخفاء معالم كينونته الوطنية الجغرافية، يمثل جوهرة التاج في ثوابت المشروع الصهيوني الاستيطاني.
ولذا، لا عجب في تزامن الخطوة الإسرائيلية الرامية لتشجيع هجرة الفلسطينيين، مع الخطوة الأمريكية بشطب دولة فلسطين من خرائط الشرق الأوسط.. إذ لا تكتمل عملية الاجتثاث المطلوبة إلا بالتخلص من المواطن وإلغاء الوطن معاً.
العجيب والمستهجن حقاً، أن كلاً من الكيان الصهيوني ومعلمه وظهيره الأمريكي، يؤكدان بسياستيهما المتعامدتين على هذا النحو أنهما لا يملان، ولعلهما أيضاً لا يعقلان. إنهم ومحازبوهم الدوليون لا يملون، لأن ما يضطلعون به راهناً ليس جديداً ولا هو مستحدث، فقد حلقوا به في آفق القضية الفلسطينية وسعوا إلى تمريره لغير مرة وفي أكثر من مرحلة.
وحسبنا وحسبهم عبرة في هذا الإطار، أن إكراه أكثر من 800 ألف فلسطيني على الفرار تحت خطر الإبادة من ديارهم عامي 1948 و1949، ثم محاولة توطينهم في أبعد نقاط جغرافية من حدود التماس مع وطنهم الأم الذي استولوا عليه بالقوة، كان الفعل الحقيقي المسؤول عما عرف لاحقاً بنكبة فلسطين.
أما وصف سياسة إفراغ فلسطين من شعبها الأصلي بالسخافة واللا عقلانية، فيعود إلى دأب أصحابها على ما ثبت لهم يقيناً استحالة تحقيقه.
إذ كيف يتصور هؤلاء أن يقبل أبناء هذا الشعب، اللاجئون منهم بالذات وفي وقتنا الحالي، التخلي عن هويتهم والتوطين في بلاد أخرى، وهم الذين رفضوا عروضاً مماثلة، وربما كانت أكثر إغراءً، حين كانوا في أقسى حالة من الضعف والهوان في باكورة عهد النكبة؟! ما وجه الرشد في الترويج لهجرة الفلسطينيين، وقد باتوا بالنسبة للسواد الأعظم من أعضاء المنظومة الدولية أصحاب دولة معترف بها، ولكنها محتلة وجديرة بالاستقلال؟ لماذا يصر التحالف الإسرائيلي الأمريكي؛ ومؤيدو الحل الصهيوني عموماً، على هدفهم الاستراتيجي القديم، ويظنون أن التضييق والضغط على الأعصاب الفلسطينية العارية، اقتصادياً ومالياً بخاصة، داخل فلسطين وخارجها، سوف يؤتي أكله هذه المرة؟ لماذا لا يتدبرون، مثلاً، في مغزى «مسيرات العودة» المستمرة على تخوم غزة لأكثر من عام؟ ولماذا يستسهلون إمكانية تحويل المشاركين في هذه الفعالية الممتدة عن قبلة الوطن التاريخي، إلى وجهات أخرى ومواطن بديلة بعيدة في الرحاب الإقليمية أو الدولية ؟!
قبل ذلك كله وبعده، ليس من المنطقي أن يعاد إحياء خيار الهجرة إلى أوروبا والأمريكتين على الفلسطينيين، ويتم تزيينه أمامهم، في الوقت الذي تتوالى فيه الشواهد على تفاقم مظاهر العنصرية والشوفينية القومية، وانجراف قطاعات سياسية وشعبية إليها، في هذه العوالم.
أو ليس الفلسطينيون جزءاً أصيلاً من الآخرين؛ المنتمين إلى أطر حضارية مختلفة مادياً وروحياً؛ المقصودين بثقافة الكراهية هناك؟
من قال إن هذه المظاهر القميئة الزاحفة في نصف المعمورة الشمالي بعامة، سوف تستثني المهاجر أو اللاجئ الفلسطيني من شواظها العدائية، ليكون بمثابة «المهاجر أو اللاجئ اللوكس»؛ أو أن الفلسطينيين سيكونون الفرقة الناجية من العاكفين على التمييز العنصري والمحرضين عليه ضد أهل الجنوب، المهاجرون منهم واللاجئون بشكل شرعي وغير شرعي؟
المؤكد في كل حال، أن الصهاينة ومواليهم وأشياعهم يعيدون تسويق بضاعتهم المزجاة، في أسوأ توقيت تعيشه أجواء الثقافة الغربية.
وكأنهم بذلك، يدعون إلى إفلات الفلسطيني من أحابيل واقع مرير صنعوه له بأنفسهم، ليقع في براثن واقع أكثر مرارة واسوداداً. ونحسب أنه لا منجاة من هذا وذاك سوى في العض بالنواجذ على الوطن الأم فلسطين.