محمد خالد الأزعر
كان لجوء أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني إلى دول الجوار العربي، في سياق الجولة الأولى للمواجهة العسكرية العربية للغزوة الصهيونية عامي 1948/1949، أبرز معالم ما عرف لاحقاً بنكبة فلسطين. وقتذاك، لم تكن تلك الدول، ولا كانت الرحاب العربية عموماً، مؤهلة للتعامل مع أي تبعة من تبعات معضلة مباغتة من هذا القبيل.
بغض النظر عن النيات التي أضمرتها القوى الداعمة للكيان الاستيطاني الإسرائيلي، من وراء تأييدها لإنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) عام 1949، إلا أن هذه الخطوة الدولية مارست دوراً ملموساً في توفير الحد الأدنى من الرعاية للاجئين، ولاسيما على صعيدي التعليم والخدمات الصحية. وتتجلى أهمية هذه المبادرة في بواكيرها الأولى إذا علمنا أن النظام العربي أمضى ستة عشر عاماً بعد تأسيس الأونروا، قبل أن يتبنى عام 1965بروتوكول الدار البيضاء الخاص بمعاملة اللاجئين المستضافين في الدول العربية. الذي أقر قاعدة قانونية تضمن لهم وفق ضوابط معينة الحق في العمل والتعليم والسكن والتنقل. وكان ذلك استدراكاً عربياً لازماً ومحموداً للوفاء بصيانة كرامة هذه الجماعة المنكوبة بين بني قومهم.
هذا يعني أن المداخلة الأممية لمعالجة أوضاع اللاجئين بشكل مؤسساتي مؤطر، كان لها قصب السبق مقارنة بإعلان البروتوكول العربي. لكن هذا الأخير كان أكثر شمولية وأعمق غوراً؛ كونه تعلق بضمان طائفة من الحقوق الأساسية؛ التي لا غنى عنها لديمومة دولاب الحياة، ولم يقتصر على تقديم خدمات محدودة. لكن ما يدعو للتأمل أن كلاً من هذين الدورين، الدولي والعربي، حاور في دائرة النظرية وظل بعيداً بمسافة كبيرة عن الفعل والتطبيق العملي. هذا دون الحديث عن أن بعض الدول العربية المضيفة للاجئين رفضت التصديق على بروتوكول الدار البيضاء..
موجز القول في ذلك أنه لا الأونروا الدولية ولا البروتوكول العربي، حقق للاجئين الفلسطينيين الوعود المنصوص عليها في القوانين الدولية والإقليمية الموصولة بحقوق اللجوء. ويشهد بهذه الخلاصة أنه بالتزامن مع انعقاد الدورة الثانية بعد المئة لما يعرف بمؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين، تحت سقف الجامعة العربية قبل أيام، كان قطاع واسع من هؤلاء اللاجئين في الديار العربية يحتج جهرة ويتظاهر على تدني مستوى التعامل الحقوقي معهم. وبالتوازي مع هذا الموقف البائس عربياً، يعيش اللاجئون الخاضعون لولاية الأونروا (زهاء 5.5 ملايين شخص) علي صفيح ساخن، جراء محاولة القطب الأمريكي تقويض هذا الغطاء الدولي فضلاً عن حجب المساهمة المالية في موازنته.
من الطبيعي أن تثور الظنون حول وجود توجه من بعض القوى المتنفذة دولياً لاعتصار اللاجئين، بهدف إكراههم على التجاوب مع صفقة القرن المزعومة. إن كان هذا التصور جائزاً، فمن الضروري تذكير كافة المعنيين بأن سعيهم محكوم عليه بالإحباط والفشل لغير سبب. أولها، أن اللاجئين عاشوا من قبل في بيئة أكثر سوءاً وقهراً بكثير مما يمرون بها، أو يراد لهم أن يمروا بها، راهناً، وقد تمكنوا من تجاوز هذه المحن. ثانيها، أن الضغط على اللاجئين اقتصادياً ومالياً وإنسانياً وأخلاقياً، بحسبهم عصباً عارياً سوف يؤدي المس به إلى لي عنق السياسة الفلسطينية، وطي النوازع الوطنية للشعب الفلسطيني، هو وسيلة لن تبوء بالفلاح. التجربة تقول إن العكس هو الصحيح. ندفع بذلك وفي الذهن أن صفوة قادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، كانوا ينتمون في معظمهم للطبقات الاجتماعية الفلسطينية التي تمكنت من تحسين أحوالها الاقتصادية. فكان منهم المهندسون والأطباء والمعلمون وأساتذة الجامعات.
القصد أن هاجس التحرر والاستقلال الوطني الفلسطيني، غير معلق خطياً بأحوال اللاجئين الاقتصادية ومحاولات التلاعب بحقوقهم الأساسية وتعريضها للزيادة والنقصان. ولعل الخيار الأفضل هو التخلي عن وهم إزاحة هذا الهاجس بتصفية الأونروا أو بضعضعة الالتزام ببروتوكول الدار البيضاء. والتركيز، عوضاً عن هذه البضاعة المزجاة، على الوفاء بالحقوق القانونية السياسية، التي كفلتها الشرعية الدولية والعربية للشعب الفلسطيني، بمقيميه المرابطين في فلسطين ولاجئيه في عوالم الآخرين.