بقلم: عيسى قراقع
دائما من القدس و من أعماق أسرارها ومفاجآتها وروحها الكونية تتفجر الانتفاضات والثورات، كأن القدس منذ ان احتلها الإسرائيليون ظلت على قلق متأهبة في الدفاع عن قدسيتها وعروبتها وأبوابها المفتوحة على السماء.
منذ تاريخ 27 حزيران الماضي والعيسوية تنتفض في وجه المحتلين والمستوطنين، لا تنام، لا يغمض لها جفن، صاحية بشبابها وحجارتها وأطفالها ونسائها، بأحيائها وشهدائها، مشتعلة ليل نهار، وكان هناك دم كثير.. سقط الشهيد محمد عبيد، أعدموه أمام البيت، وكان هناك هجمة وحملات تنكيل واعتقالات واعتداءات، أصيب أكثر من مائة شاب، اعتقل أكثر من 40 اسير، سياسة عنف منظم وعقاب جماعي، مصادرة أراضي، هدم بيوت، اقتحامات يومية، لكن قرية العيسوية لم تركع ولم تخضع.
عجز جيش الاحتلال من السيطرة عليها، فالعيسوية منذ ان خلقها الله هي العين اليمنى للقدس لا تقبل التعايش مع الاحتلال، فهي القرية التي سكنت صرختها القدسية وردت على السيوف الغادرة، لا نامت أعين الجبناء، لا للحديقة التلمودية.
قرية العيسوية انتفضت بلحمها وعظمها، جاء الأنبياء والأولياء والشهداء وتحصنوا فوق جبل المشارف، الإسرائيليون يدركون أنهم لم يحتلوا العيسوية، لا زالت بالنسبة لهم منطقة معادية، وان العيسوية إذا تحرك جسدها ونبض قلبها فان القدس تحطم حدود الهاوية.
قرية العيسوية انتفضت، رفضت كل الشروط المذلة واسترجعت جثمان الشهيد محمد عبيد، كان عرسا وزفافا ورسالة من القدس إلى الذين تآمروا في ورشة المنامة، ورسالة إلى صفقة القرن الأمريكية ومخططات تصفية حقوق الشعب الفلسطيني العادلة، هنا القدس، هنا العيسوية، الدم فوق مصاطب القدس، المسيحيون والمسلمون في صلاة جماعية واحدة.
انتفضت العيسوية، تحركت عظام الأرض وما فيها، تحرك الزيتون والجبل والبحر والصلوات الخمس وآيات الرحمن، تحرك الشيخ والراهب والحجر والمقلاع والملائكة، ارتفعت العيسوية فوق جذوع الحكايات، خارج الوقت الإسرائيلي، أعادت ذاكرتها حبوب القمح إلى أراضيها التي صودرت، عاد الشهداء في حزيران إلى ارض الشهوات الكنعانية، ارض الكلمات الأولى، سقطت الخرافة الإسرائيلية عندما أشهرت العيسوية عظام الأجداد، الزيت المقدس من الصخور، طلة المسيح، إضراب سامر العيساوي عن الطعام طويلا طويلا وهو يهتف: في القدس ولدت وفي القدس سوف أموت.
انتفضت العيسوية في وجه السفير الأمريكي الذي شارك في حفل افتتاح نفق يمر من عمق سلوان إلى البراق، انتفضت في وجه المتطرفين الذين يقتحمون الأقصى يوميا ويعتدون على العباد، انتفضت كل الخطوط الحمراء التي تتجاوز القدس العربية الإسلامية المسيحية هوية وتاريخا وعاصمة لدولتنا الفلسطينية، انتفضت العيسوية، الأطفال الرازحين في الاقامات المنزلية، الأطفال المعتقلين في زنازين المسكوبية، الأطفال المعدومين على الحواجز العسكرية، انتفض سمير أبو نعمة وعلاء البازيان وإسراء الجعابيص واسحق مراغة وعمر القاسم وفيصل الحسيني ومحمد أبو خضير، الطور وشعفاط وسلوان وصور باهر والمكبر والأغنيات والمرابطات وحيفا وعكا والجليل وطائرات الورق في غزة تنسف المشاريع الاستيطانية.
انتفضت العيسوية، انتفضت الآيات والعظام والمحاريث واللغة العربية، وأنا من سمع العيسوية تردد مع شاعرنا تميم البرغوثي:
في القدس رغم تتابع النكبات..
ريح براءة في الجو، ريح طفولة..
فترى الحمام يطير يعلن دولة في الريح..
بين رصاصتين.
عن صحيفة القدس المحلية