Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

أوهام «الخطة الأمريكية»

د. ناجي صادق شراب

لم تحظ كل المبادرات التي طُرحت لتسوية الصراع العربي - «الإسرائيلي»، وفي مركزيته القضية الفلسطينية، حتى مؤتمر مدريد، واتفاقات أسلو، كما حظيت به التسوية الأمريكية التي تسمى «صفقة القرن»، رغم أنها لم تعلن بعد، فقد سبقتها حملة من التسريبات والتصريحات الإعلامية عن مضمونها. ويبدو أن هذه التسوية تمر بمرحلتين، الأولى مرحلة نفسية سيكولوجية للعمل على الترويج لها، والمقصود هنا تهيئة العقل الفلسطيني والعربي، وقد نجحت هذه المرحلة إلى حد معقول، والمرحلة الثانية وهي المرحلة الكبرى التي تحتاج إلى إخراج سينمائي هيولوودي للإعلان عنها. هكذا تحولت «التسوية» مثلها مثل أي فيلم أمريكي مشوق، الكل ينتظر عرضه للتعرف إلى البطل والقصة والدراما ونهايته. هذه «الصفقة» تحمل الكثير من الأوهام، تزيد أو تقل كما يراها ويقرأها كل طرف.

الوهم الأول: هل «الصفقة» حقيقية أم أنها وهم لتسوية صراع، فشلت فيه كل المبادرات والحلول. هذه «الصفقة» ما زالت في طي الكتمان والسرية، والتأجيل صفة لازمتها، وطالما أنها ما زالت في مخيلة من صممها فقط، فهي وهم إلى أن تُعلن وتصبح حقيقية، وقد تُعلن أو تُؤجل لأسباب كثيرة مفتعلة ومصطنعة.

الوهم الثاني: تجاهل وجود الشعب الفلسطيني، وهو الطرف الرئيسي في هذا الصراع. صحيح أن السلطة الفلسطينية ضعيفة، ولا تقدر على مقاومة الضغوطات التي قد تمارس عليها، لكن الحقيقة وليس الوهم أن هناك شعباً تحت الاحتلال يناضل ويضحي ويستشهد، ولا يمكن لأية صفقة مهما كان مصدرها وقوة من يطلقها، يمكن أن تلغي وجود هذا الشعب وقدرته على التصدي والرفض. فكيف يمكن لتسوية أن تتم دون التفاوض مباشرة معه.

الوهم الثالث: أن القوة فوق القانون وفوق الشرعية. فالمنطلق الأساس الذي تنطلق منه «الصفقة» التي صممها الثلاثي كوشنر وغرينبلات وفريدمان أن القوة هي التي تحكم، وهي التي تضمن تنفيذها، ولا قيمة للشرعية الدولية التي حكمت القضية الفلسطينية منذ نشأتها، لذلك مهدت بإلغاء ملفي القدس واللاجئين، وكأنه لا توجد قدس ولا يوجد لاجئون، وهو وهم القفز على الواقع والتاريخ والجغرافيا، مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال وتعتقد أن لا أحد يراها.

الوهم الرابع: الاعتقاد بأن العرب لا علاقة لهم بالقضية الفلسطينية، وأنها مجرد نزاع ثنائي حول مبنى أو قطعة أرض صغيرة، بل ويذهب الوهم أبعد من ذلك بربط مواقف الدول العربية بالصفقة ومستقبلها ومستقبل أنظمتها، من دون التفكير بأنه لا توجد دولة عربية يمكن أن تدخل في علاقات مع «إسرائيل» من دون قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا ما أكدته قمة الظهران، وقمة تونس الأخيرة..

الوهم الخامس: الترويج للصفقة بأنها تشكل منهاجاً ورؤية جديدة للسلام، مغايرة لكل ما سبقها من مبادرات، كيف لصفقة حقيقية أن تتجاهل الحد الأدنى لأي تسوية بدون قيام الدولة الفلسطينية، الدولة الفلسطينية باتت حقيقة وأمراً قائماً.

الوهم السادس: مرتبط بالرئيس ترامب وبقائه وفريقه في السلطة وفوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة، ماذا لو لم ينجح، ماذا سيكون مصير الصفقة؟

الوهم السابع: تجاهل دور القوى الدولية الفاعلة والتي لها دور مباشر مثل أوروبا وروسيا والصين والأمم المتحدة. لا يمكن لأي صفقة أن تنجح دون وجود تحالف دولي قوى وفاعل يدعمها.

الوهم الثامن: الانحياز السياسي الكامل ل«إسرائيل» ووجهة نظرها، وليس مستبعداً أن «إسرائيل» لعبت دوراً مباشراً في صياغتها، فأي تسوية كي تنجح تحتاج لتوفير الحد الأدنى من التوازن السياسي وهو مفقود فيها.

الوهم التاسع: تجاهل كل العملية التفاوضية السابقة، وما وصلت إليه من توافقات وتفاهمات تشكل الحد الأدنى لنجاح أي مبادرة جديدة. ففي العلاقات الدولية، هناك مفاوضات ومعاهدات واتفاقات تراعي مصالح الأطراف التفاوضية، وليس صفقات تجارية تقوم على الربح فقط.

الوهم العاشر: ويتعلق بكيفية إخراجها وآليات طرحها، هل بالمفاوضات الثنائية؟ وهل بعقد مؤتمر للسلام؟ وهل بفرضها بالقوة الأحادية؟ كل هذا في علم الغيب.

وأخيراً، الهدف من التسوية أن يفوز ترامب في الانتخابات، فهي صفقة استرضاء المسيحيين الصهاينة الذين بيدهم مفتاح نجاح ترامب.. وليس الوصول إلى تسوية تحقق معادلة التكافؤ في الحقوق.