باسل الحاج جاسم
هل الإدارة الأمريكية جادة حقاً في الذهاب نحو الحرب مع إيران هذه المرة؟ سؤال يطرح اليوم في كل مكان وعلى مستويات الناس وشرائحهم كافة. التركيز في السؤال على عبارة "هذه المرة"؟، مردّه تجارب سابقة كثيرة، مرت فيها مراحل التوتر بين واشنطن وطهران خلال الأربعين سنة الماضية، إلا أنها في نهاية المطاف اقتصرت على مجرد تصريحات، يضاف إليها في كل مرة حزمة من العقوبات سواء الاقتصادية أم السياسية.
هناك خطاب أمريكي بنبرة مرتفعة جداً يتوعد طهران، يقوده وزير الخارجية مايكل بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، يترافق مع حشود عسكرية ضخمة في المنطقة. ولكن تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين حين وآخر، تعطي في بعض الأحيان انطباعاً مختلفاً، بأن الأمر لا يتعدى رفع سقف المساومة على صفقة جديدة وبشروط يفرضها رجل البيت الأبيض.
يبدو أن استراتيجيا النظام الحاكم في إيران لم تتغير، فطهران، كسابق عهدها، ستحاول تجنب الحرب مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل، على رغم كل التصريحات النارية. علماً أن انتظارها نهاية فترة رئاسة ترامب، ليس سوى محاولة لاستخلاص أقصى فائدة ممكنة من الصفقة النووية. لذلك، قد تنسحب إيران مجدداً من نقاط معينة فيها.
ما بين الحرب واللاحرب، يمكن توقع صفقة ما، وفي أي لحظة بين واشنطن وطهران، خاصة أن إيران تجيد لعبة استغلال الوقت والمناورة، إلى حين تغير الظروف الدولية والإقليمية أو حصول أي تغيير داخل الإدارة الأمريكية، لاسيما اليوم في ظل إدارة الـ "بزنس مان "دونالد ترامب، الذي يكرر دائماً مقولة أنه يعمل من بوابة شعار "أمريكا أولاً". بالتالي، ثمة قضايا كثيرة أخرى لا تعنيه في أي ملف تتدخل إيران فيه إقليمياً، بقدر ما يعنيه تحسين شروط أي صفقة.
قال ترامب وبشكل واضح: "ما نريده هو ألا تصنع إيران سلاحاً نووياً، وهذا ليس بالشيء الكثير، ونحن مستعدون للتفاوض على صفقة جيدة للطرفين، وسنساعدهم للعودة إلى وضع أفضل".
ليس سراً اليوم، أن إيران في موقف عصيب جدّاً بسبب العقوبات والتهديدات الأمريكية، في وقت تنشغل دول العالم بأزمات مشاكل باتت فعلياً منتشرة في كل أصقاع الأرض، من فنزويلا وأزمتها الداخلية الخارجية، مرورا بأوروبا وملفات الهجرة وصعود اليمين وقضية الـ "بريكست" واتهام موسكو بالتدخل في انتخابات بعض الدول الأوروبية، وصولاً الى الشرق الأوسط الذي كل دولة فيه تغني على ليلاها، ولا يقف الأمر عند الصراع التجاري الصيني –الأمريكي.
المؤكد أن واشنطن لن تترك متنفساً للنظام الحاكم في طهران، إذا ما نفذت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بالكامل، بالنظر إلى المجالات التي تطالها العقوبات، علماً أن الرئيس ترامب قال وبكل وضوح: "من يتعامل مع إيران لن يستطيع العمل مع الولايات المتحدة"، في رسالة إلى حلفاء الولايات المتحدة، قبل أعدائها.
إذا انتقل التوتر بين واشنطن وطهران إلى حرب مفتوحة، فستتأثر أسعار النفط بشكل كبير جداً، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجيوسياسي لإيران وارتباطاتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يجعل من غير الممكن تجاهل مصير كل الملفات ذات الصلة.
ستطرق الولايات المتحدة أبواب حلفائها المجاورين لطهران، ومن بينهم تركيا. وليس من الصعب توقع موقف أنقرة، الذي إن لم يكن رافضاً، فسيكون بعدم دعم أي تحرك عسكري جديد في المنطقة، ما سيشعل أزمة أخرى جديدة في العلاقات بينها وبين واشنطن.
صحيح أن أحداً لن يكون بمنأى عن رياح الحرب الجديدة التي هي قاب قوسين أو أدنى، إلا أن تركيا ستكون ثاني أكثر بلد تضرراً، بعد إيران، في حال إعلان واشنطن الحرب على طهران، وذلك لأسباب كثيرة لعل أبرزها لا يتعلق فقط لكون أنقرة تحت ضغوط مطالب إيقاف التجارة مع طهران، إنما لأن إيران تلبي نصف احتياجات تركيا من النفط، وتشكل ثاني أكبر مورد لها من الغاز الطبيعي بعد روسيا، يضاف إلى ذلك استمرار حروب المنطقة المحيطة بتركيا في العراق وسورية في الفترة التي يعيش فيها الاقتصاد التركي بالأساس مرحلة صعبة.
في المقابل، وبالنسبة إلى تركيا، فإن طهران في الواقع تتواجه مع أنقرة في منافسة إقليمية من زوايا عدة، وليس سرّاً انزعاج الأخيرة من سياسات طهران التوسعية. ولهذا، فإن أي تحجيم لإيران يصب في مصلحة تركيا، كما أن إقامة توازن بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا ومعها النظام السوري من ناحية ثانية، سيعزز موقف تركيا في مكافحة الامتداد السوري لـ "حزب العمال الكردستاني".
زيادة إسرائيل من وتيرة هجماتها على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى ضغوط الرئيس ترامب على إيران، تزيد من ارتباط الأخيرة بروسيا. وهذا يجعل موسكو في وضع أقوى مما كانت عليه في المرحلة السابقة في مواجهة طهران (إن رغبت) سورياً، فلا يخفى أن إيران منافس إقليمي لروسيا، إضافة إلى أنها هدف رئيسي لواشنطن وتل أبيب. ولا يفوت موسكو أن هذا التوتر سيتصاعد، طالما بقيت إيران في سورية، وهذا بحد ذاته تهديد كبير للمصالح الروسية.
ولا يمكن تجاهل موقف دول كبرى عدة، ومنها تحديداً دول إقليمية رافضة للنفوذ الإيراني في سورية والمنطقة ككل، وهو ما يجعل روسيا في موقفٍ لا تحسد عليه، فهي تخشى على علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع تلك الدول التي يثير التقارب الروسي الإيراني استياءها.
يبقى القول إن الواقع السائد اليوم بين النظام الحاكم في طهران وإدارة ترامب، يذكّر بأحدهم عندما سئل: الثعلب يلد أم يبيض؟، فكان رده: الثعلب ماكر، توقع منه أي شيء.