بقلم: الدكتورأحمد جميل عزم
شاع على مواقع تواصل اجتماعي، ومواقع صحفية إخبارية، أنباء معها صورة خريطة، استناداً لما قيل أنّه خطاب ألقاه مؤخرا دونالد ترامب، جاء فيه أنّه سيتم ضم أراض من صحراء سيناء المصرية، إلى قطاع غزة، ودفع مئات مليارات الدولارات لتكون دولة فلسطين هناك. وإذا كان قد ثبت أنّ هذه الأنباء مجرد تضليل، أو وهم، وجزء من فقاعات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّه يجدر دراسة الفكرة، وما طرح بشأنها في الإعلام الإسرائيلي.
من الطريف اللافت أنّ مواقع صحفية عربية زعمت أنّ تقارير إعلامية عبرية نشرت الخريطة والأخبار، وعند تصفح المواقع الإعلامية الإلكترونية الإسرائيلية، يتضح أن تلك المواقع قالت إن تقارير إعلامية عربية، نشرت النبأ والتفاصيل (أي هناك عملية متبادلة). واللافت أنّ الصحف الإسرائيلية (اعتمادا على إعلام عربي) تنشر تقارير حول الموضوع منذ سنوات. وعلى سبيل المثال، نقلت "جيروزالم بوست"، في 3 كانون الأول 2017، تقريراً عن صحيفة مصرية، أن خطط ترامب لعملية السلام قد تتضمن إضافة 720 كم مربع من رفح المصرية والعريش إلى حدود قطاع غزة لتأسيس دولة فلسطينية.
يسهل تفنيد الإشاعة الأخيرة، عن تصريحات ترامب، لأنّ “الأخبار الإلكترونية”، نسبت الأمر إلى خطاب ألقاه الرئيس الأميركي أمام مؤتمر(لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلي (إيباك)) السنوي، فترامب لم يحضر المؤتمر ولم يلق خطاباً، وقد نفى مندوب ترامب للتفاوض الدولي جيسون غرينبلات الأمر تماماً. والواقع أن مثل هذه الإشاعات ستكون ضمن عملية تراكمية تجعل تصديق الناس لوسائل التواصل الاجتماعي والصحف الالكترونية (وبعض الورقية) التي يشرف عليها هواة، أو أعضاء “مليشيات الكترونية” تتبع أنظمة ودولا وأحزابا سياسية “متناحرة”، أقل، ويجعلها تعود لوسائل إعلامية ذات مصداقية. ربما يكون صاحب المصلحة في رسم خريطة ملونة، تبدو متقنة، وترويجها، جهات تريد إشغال الرأي العام، أو تريد جس النبض، أو لها هدف سياسي جانبي آخر، أو ضمن دعاية إسرائيلية، لكن إذا ما وضعت سيناء في طريقة تفكير الفريق الصهيوني الأميركي المسؤول عن عملية السلام يمكن توقع أو تصور سيناريوهات تتضمن سيناء وربما دولا أخرى.
في منتصف العام 2018 نشر الضابط الاسرائيلي المتقاعد، جيرشون هاكوهين، الذي كان له مهام قيادية على جبهات سيناء والجولان، مقالا في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، معلقا على كاتب آخر، اسمه بنجامين انتوني، كتب نهاية العام 2016، أيضاً في يديعوت، داعياّ إلى “حل الدولة الجديدة” بذات الفكرة، أي الذهاب إلى سيناء.
من غير المستبعد أن “المواقع العربية” التي نشرت الأخبار استخدمت مقالات الرأي هذه أو شيئا شبيها بها. في مقال هاكوهين، تفاصيل عن الفرص الاقتصادية المحتملة في سيناء، بتحويلها، خصوصاً المنطقة الساحلية إلى منطقة سياحية مزدهرة يعمل بها الفلسطينيون، وبحيث يتراجع الضغط المعيشي في قطاع غزة، ويتراجع التوتر. في مقابلات ومقالات عدة، صرّح غرينبلات، ومستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنير، عن قناعتهما أن إيجاد فرص عمل و”تحسين الأجور” للفلسطينيين يقلل التوتر، ويجعل مسألة التوصل أو عدم التوصل لاتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية، أقل الحاحاً. بهذا المعنى من غير المستبعد أن تكون الخطط الأميركية التي قد تطرح، تتضمن التطبيع العربي الاسرائيلي وتحسين مستوى الحياة الفلسطينية.
وهنا يمكن فهم لماذا يكون رفض القيادة الفلسطينية استلام أموال المقاصة (الضرائب المستحقة للفلسطينيين التي يجبيها الإسرائيليون عن البضائع الواردة لهم على الحدود)، ضربة استباقية لفكرة الحل الاقتصادي الإسرائيلي- الأميركي.
مثل هذه الخطة، من تحويل سيناء وغيرها لمتنفس لقطاع غزة والفلسطينيين، محتملة في عقل الأميركيين والإسرائيليين. ولكنها بلا معنى على الأرض لأسباب، أولها، أن تحسن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين لا يؤدي لابتعادهم عن المقاومة، (فالثورة الفلسطينية الحديثة ولدت من قبل مغتربين في دول الخليج العربية، والانتفاضة الأولى قادها أفراد الطبقة الوسطى)، وثانياً، مصر والمصريون يحتاجون فرص العمل كما يحتاجها الفلسطينيون وأكثر، فلن يتركوا مشاريع جديدة لغيرهم.
والواقع أن التنمية في سيناء قد تقلل من القلق الذي تسببه هذه المنطقة داخل مصر، ومن كونها مكانا يلجأ لاستخدامه إرهابيون، ولكن مسألة إسهامها في حل القضية الفلسطينية يبدو ضرباً من الخيال.