في الذكرى السادسة والستين للنكبة فإن نكبة شعبنا مازالت مستمرة ومتواصلة، وما زال الإحتلال يمارس كل أشكال القهر والظلم والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،
فالإحتلال الذي جاء إلى أرضنا ووطنا تحت شعار خادع ومضلل وكاذب متسلحاً بدعم وإسناد من القوى الإستعمارية وفي المقدمة منها بريطانيا "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ما زال قادته يحلمون بأن كبارنا سيموتون وصغارنا سينسون، وبأنهم يحلمون بأن يصحو ليبتلع البحر شعبنا، في سير عكس التاريخ ومنطقه وقوانينه، فهذا الشعب الذي تعرّض للنكبة، ما زال يسكنه حلم العودة، وما زال كباره يحافظون على مفاتيح العودة ويصونونها في حدقات عيونهم، وكذلك هم الشباب والأطفال، وما جرى في مسيرة العودة لقرية لوبيا المهجرة التي شارك فيها الآلاف من أبناء شعبنا، تثبت بأن هذا الشعب، لن يتخلى عن حلمه بحق العودة لوطنه، وهذا الحق لن يسقط بالتقادم، وسيورثه شعبنا لأبناءه جيلاً بعد جيل.
الإحتلال يمعن في سن القوانين والتشريعات الهادفة إلى الإبقاء على دولته «يهودية» نقية، ويصاعد بشكل جنوني من مخططات التهويد في الجليل والنقب والمثلث والقدس والضفة الغربية، ويريد أن يحسم مسألة السيادة على الأرض، لكي يبدد حلم شعبنا في الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وحقه في العودة الى دياره التي شرد منها بفعل الطرد والتهجير والجرائم التي مارستها بحقه العصابات الصهيونية، ولكن رغم كل ذلك ما زال شعبنا يتوالد ويتزايد ويتشبث بالبقاء والوجود على أرضه، ولن يسمح للإحتلال بأن ينفذ نكبة ثانية بحقه، فالشعب الفلسطيني كطائر الفينيق يخرج من تحت الرماد، كل يوم أقوى وأكثر عزماً وصلابة وتصميماً على نيل حريته وحقه في العودة إلى دياره التي شرّد منها.
مهما كان حجم المؤامرات التي تزداد وترتفع وتائرها في الفترة الأخيرة، مستفيدة من حالة الضعف الفلسطيني والإنهيار العربي وتواطؤ بعض الأطراف العربية مع الأعداء للمساومة على حقوقنا ومشروعنا الوطني، فإن هذا الشعب لن يلين ولن ينكسر وسيجسد وينال حقوقه وحريته مهما طال الزمن أو قصر، فالتاريخ يعلم بأن الإحتلال زائل مهما طال أو قصر.
الإحتلال لا يريد أن يقدم أي تنازلات جدية تلامس الحدود الدنيا من حقوق شعبنا الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الخامس من حزيران/1967، بل يريد منا أن نستمر في التفاوض معه، ويستغل تلك المفاوضات من أجل أن يغير ويفرض الحقائق والوقائع الجديدة على الأرض، وفي كل المفاوضات والإتفاقيات التي جرت بين المحتل والشعوب الواقعة تحت الإحتلال كان يجري الاتفاق على تحرير الأسرى، هكذا جرى بين الجزائر وفرنسا، عندما نالت حريتها واستقلالها في عام 1962، وكذلك مع الفيتنام و"الفيتكونغ" مع أمريكا عام 1973، إلا مع شعبنا الفلسطيني، فرغم قصور قيادتنا في هذا الجانب، لكن الإحتلال نظر إلى ملف أسرانا، ليس على أساس أنه قضية إنسانية يجب التوقف عن إستغلالها، بل رأى فيها قضية سياسية، يجب أن يستثمرها في الضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات وثمن سياسي.
ونحن شهدنا ذلك خلال العودة للمفاوضات الأخيرة، فرغم الاتفاق على إطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو الـ(104)، وجدنا الإحتلال كيف مارس البلطجة والإبتزاز في هذا الملف، حيث عمد مقابل كل دفعة من الأسرى جرى تحريرهم إلى فرض معادلة جديدة "أسرى مقابل إستيطان" ورفع من وتيرة إبتزازه في الدفعة الثالثة، عندما تلاعب في تاريخ الإفراج واسماء الأسرى المفرج عنهم، ولتبلغ بلطجته وعنجهيته ذروتها في رفضه إطلاق سراح الدفعة الرابعة، ما لم يوافق الطرف الفلسطيني على تمديد المفاوضات، وأن تقوم أمريكا بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي "بولارد"، ولم يجر إطلاق سراح تلك الدفعة حتى اللحظة الراهنة، وليذهب الإحتلال وأحزابه في خطوة ذات أبعاد خطيرة، حيث تم اتخاذ قرار بعد الموافقة عليه، قدمه أعضاء من أحزاب "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" و"الليكود"، يمنع إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من ذوي الأحكام المؤبدة أو تخفيف مدة محكومية أسرى بغرض إطلاق سراحهم.
أوضاع أسرانا في سجون الإحتلال تزداد صعوبة وخطورة، والإحتلال يشن عليهم هجمات متصاعدة، من أجل كسر إرادتهم وتطويعها وتحطيم معنوياتهم والسطو على منجزاتهم ومكتسباتهم، لتصل تلك الجرائم حد جرائم الحرب.
واليوم يخوض أسرانا من المعتقلين الإداريين إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي يدخل يومه العشرين، رغم أن هناك من مضى على إضرابه مثل الأسير الإداري أيمن طبيش أكثر من 76 يوماً والأسير عدنان شنايطة حوالي خمسين يوماً، يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، لنيل حريتهم حيث يجري إحتجازهم واعتقالهم وفق ملفات سرية بدون محاكمة، هي كالسيف المسلط على رقاب أسرانا، حيث جرى ويجرى تمديد العشرات منهم أكثر مرة وعدة مرات تحت طائلة هذا الملف السري، الذي في أغلب الأوقات لا يحتوي سوى على اكاذيب وتقارير خادعة ومضللة ومفبركة من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لكي تبقي على أسرانا في أكياس العزل الحجرية من خلال الاعتقال الإداري ذلك الاعتقال الذي يشكل انتهاكا فظاً وسافراً لكل الأعراف والمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية.
ولذلك علينا أن نقف إلى جانب أسرانا في معركتهم، معركة الأمعاء الخاوية ومن خلال شعار ناظم وموحد لا "للاعتقال الإداري والحرية لأسرانا في سجون الإحتلال"، شعار يجب أن تلتف وتتوافق عليه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وعلينا أن لا نرفع أي شعار آخر في المناشطات والمؤتمرات والمهرجانات والفعاليات الداعمة لأسرانا في مطالبهم، من شأنها تفتيت وحدتنا والإضرار بقضية أسرانا المضربين عن الطعام، وإفشال خطوتهم النضالية.
أقصانا يدخل مرحلة الخطر الجدي، ولا نريد "إجترار" الكلام عن مدى خطورة الممارسات والإجراءات الإسرائيلية بحقه، حيث الحفريات من حوله وأسفله مستمرة وبوتائر عالية، وهي طالت أساساته وبما يهدد الأقصى وجدرانه بالإنهيار، وكذلك الكنس والمدارس التوراتية تحيط به من كل جانب، وعمليات اقتحامه أصبحت تجري على مدار الساعة، ويتزعمها نواب وأعضاء كنيست، من أجل اقامة صلوات وشعائر تلمودية وممارسة الشذوذ الجنسي ولا أخلاقي في ساحاته، مصحوباً ذلك برفع الأعلام الصهيونية في ساحاته، وليصل الأمر ذروته برفع النائب الصهيوني المتطرف "موشه فيجلين" العلم الإسرائيلي فوق قبة الصخرة، والقوانين والتشريعات يجري تداولها في أروقة الكنيست والمحاكم الصهيونية، من أجل تشريع التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى بين المسلمين أصحاب الحق الحصري والشرعي في هذا المكان المقدس للمسلمين وبين المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية المدعية لوجود هيكل مزيف مكان أقصانا.
نعم لكي لا ننسى الإحتلال يشن علينا حرباً شاملة وعلى كل الجبهات، من أجل أن يكسر إرادتنا وأن يفقدنا الثقة بعدالة ومشروعية نضالنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني، وفي ظل هذا الخطر الداهم المستهدف لنا في كل شيء، فإن إنهاء انقسامنا وتحقيق وحدتنا، من العوامل المهمة في صمودنا ومقاومتنا وتحقيق انتصارنا، فلا مناص عن إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة لكي ننتصر.