نجح بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، في الفوز بولاية خامسة، بعدما تمكن من حصد 36 مقعدا في الانتخابات البرلمانية للكنيست رقم 21، والتي أجريت الثلاثاء الماضي.
لم يأت تفوق نتنياهو في الاستمرار في الحكم، منذ العام 2009، وقبلها ولاية أولى منذ العام 1996 وحتى العام 1999، من فراغ، إذ يضع لنفسه تكتيكا واضحا، عبر خطط وضعها بنفسه ومساعديه، ومن قبلها استراتيجيات "إسرائيلية" عامة يسير على نهجها وخطاها.
وساهمت مجموعة من العوامل في نجاح نتنياهو في الاستمرار لهذه الفترات الطويلة، التي يعتبر من خلالها، أطول فترة لرئيس وزراء في تاريخ الكيان الإسرائيلي، جلس في سدة الحكم في "تل أبيب".
من بين الأسباب الثابتة لنجاح أي رئيس وزراء في" تل أبيب"، خاصة لنتنياهو نفسه ومن وجهة نظر الناخب "الإسرائيلي"، هي الاستمرار في بناء المستوطنات، ومعاداة إيران، والسير وراء قوة عظمى، وترسيخ الوجود "الإسرائيلي" في فلسطين المحتلة.
المستوطنات
استطاع بنيامين نتنياهو في إسراع وتيرة بناء المستوطنات، خاصة في المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية، والجولان السوري المحتل، إذ لم يهتم بأي قرارات دولية بهذا الخصوص، بل زاد طمعا في بناء مستوطنات بمدينة القدس المحتلة، بغرض ترسيخ الوجود "الإسرائيلي" فيها، ولعدم دخولها في أي مفاوضات مقبلة مع الجانب الفلسطيني، باعتبار كل من ملفي القدس والمستوطنات من القضايا الخمس الرئيسة بين الطرفين، الفلسطيني و"الإسرائيلي".
معاداة إيران
تمكن نتنياهو من الاستمرار في معاداة طرف ما، بهدف استقطاب آخرين نحو بلاده، ونجح في تصدير فكر ونهج يدعي أن إيران هي "الشر الأكبر"، وبأن سياساتها معادية لبلاده ولمنطقة الشرق الأوسط والعالم، واستطاع أن يضم إلى جانبه عدة دول إقليمية ودولية تسير في نهج معاداة طهران، بدعوى أنها قوة نووية، ترغب في الاستيلاء على مقدرات الدول، وتهدد بقائها.
ودعا رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، ومن خلفه الإدارة الأمريكية إلى عقد مؤتمر دولي لمناهضة السياسات الإيرانية، حيث تمكن من ذلك فعليا.
فقد عقد بالعاصمة البولندية، وارسو، يومي 13 و14 فبراير/شباط الماضي، مؤتمرا لبحث تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط، ومناهضة إيران، والمسمى ب"مؤتمر وارسو"، بمشاركة عربية وغربية، لكن عدة أطراف في مقدمتها روسيا والصين ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، لم تشارك في هذا المؤتمر الذي شهد لقاءات وزراء خارجية عرب مع رئيس حكومة الاحتلال .
وعمد نتنياهو على كشف بعض المنشآت النووية الإيرانية المزعومة، واستغل هذا الأمر دوليا، حتى أن كل اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يعقد في سبتمبر/أيلول من كل عام، يهاجم فيه إيران، وكأنه نهج ثابت لإسرائيل في معاداة طرف، لاستقطاب آخرين.
السير وراء قوة عظمى
ومن ثوابت السياسة "الإسرائيلية الخارجية"، السير وراء قوة عظمى، بهدف توطيد أركان الكيان الإسرائيلي، وتثبيت أوتادها في فلسطين المحتلة، فقد اعتمدت على بريطانيا، في تدشين الدولة، قبل إنشائها، في العام 1948، ثم فرنسا في تسليحها، طوال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وتلى ذلك الاعتماد على الولايات المتحدة في دعم الهجرة والاستقرار في إسرائيل. كما حاول من خلال سلسلة زيارات إلى روسيا، التودد للقيادة الروسية، بغية كسب التأييد من قبل اليهود الروس في إسرائيل.
متغيرات سياسة نتنياهو
برع نتنياهو في نسج خيوط كثيرة في السياسات الداخلية والخارجية خلال ولايات حكمه الأربع السابقة، أهمها عدم إبراز شخصيات سياسية أخرى سواه، والعمل على صعود تيار اليمين على حساب تياري اليسار والوسط، وإقامة علاقات قوية مع الرؤساء والزعماء حول العالم، والدخول في علاقات تطبيعية مع بعض الدول العربية والإسلامية.
منافسون
لم يرغب نتنياهو في وجود منافسين له في الحلبة السياسية "الإسرائيلية" الداخلية، إذ يرتكن رئيس الوزراء إلى مساعدين ومؤيدين أقوياء، يتمكن من خلالهم من إقصاء أي منافس أو غريم، إذ لكل من تلك الشخصيات ملفات تظهر في الوقت المناسب، خاصة مع وجود وسائل إعلامية قوية ومعروفة تسانده وتؤيد خطاه اليمينية.
ومن أبرز منافسي نتنياهو في الأشهر القليلة الماضية، الجنرال بيني غانتس، رئيس حزب "أزرق أبيض"، إذ كلما اشتد عوده قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة للكنيست، والتي جرت الثلاثاء الماضي، وفاز فيها نتنياهو نفسه، نجح رئيس الوزراء في توجيه الضربات له، تارة بأنه ليس له خلفية سياسية، ومرة مع نجاح إيران في اختراق الهاتف الشخصي له، وتارة أخرى مع اتهام نتنياهو للجنرال غانتس بأنه مشتت الفكر والرؤى، ولا يمكنه إدارة بلد بحجم "إسرائيل".
سبق أن دحر نتنياهو منافسة سابقة، وهي وزيرة خارجية الاحتلال السابقة، تسيفي ليفني، في الانتخابات الإسرائيلية في العام 2008، حينما فشلت الأخيرة في تكوين ائتلاف حكومي، آنذاك، مقابل تشعب علاقات نتنياهو السياسية، حينئذ، مع قوي يمينية ويسارية ودينية، على حد سواء.
قرارات ترامب
ساهم تولي الرئيس دونالد ترامب، الحكم في البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، في ترسيخ أقدامه في الحكم في "تل أبيب"، خاصة مع دعمه لاستمرار وتيرة بناء المستوطنات، ومساعدته في الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما أعلنه في السادس من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وتبع تلك الخطوة، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في الخامس عشر من مايو/أيار 2018، والموافق للذكرى السبعين لاحتلال فلسطين (النكبة الفلسطينية)، ثم اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، وهي قرارات ساهمت، وبقوة، في إعلاء مكانة نتنياهو أمام الناخب "الإسرائيلي" .
وزاد ترامب على ذلك في وقف دعم وكالة دعم وغوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بشكل نهائي، بل وغلق القنصلية الفلسطينية في واشنطن.
صفقة القرن
وعلى الرغم من الإفصاح عن بنود الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، والمعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن"، فإن تلك الخطة يتردد أن "إسرائيل" ساهمت في وضع الخطوط العريضة لها، وهي الخطة التي تؤكد بقاء الاحتلال "الإسرائيلي"، وترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وترفض تقسيم مدينة القدس المحتلة.
التطبيع
يعد ملف التطبيع أحد الملفات والقضايا المهمة التي ساعدت نتنياهو في نجاحه بالانتخابات البرلمانية، إذ وطد علاقاته بدول عربية وإسلامية عدة، وزار بعضها للمرة الأولى، أهمها سلطنة عمان، التي زارها، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويتردد أن هناك زيارة لدولة خليجية أخرى، يزعم أنها البحرين، وكذلك زيارة مرتقبة للمغرب، رغم نفي الرباط الدائم.
فيما زار نتنياهو دولة تشاد الإسلامية، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سبقها زيارة إدريس ديبي، الرئيس التشادي لــ"تل أبيب".
وافتتح نتنياهو سفارات لبلاده في أكثر من دولة حول العالم، خاصة دول آسيوية وأفريقية، أهمها رواندا، وهي السفارة ال 11 لــ"إسرائيل" في أفريقيا، على سبيل المثال. وهو ما يمكن اعتباره تحسنا في تصويت الدول الأفريقية والآسيوية في الهيئات الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، بشأن الكيان.
نهاية، فإن هذه القرارات الدولية وتلك المخططات الثابتة والمتغيرة من قبل نتنياهو، قد ساهمت في توجه المزاج "الإسرائيلي" ناحية اليمين، وهي التي وضعت أسس وقواعد نجاح نتنياهو في الانتخابات، خاصة أن "إسرائيل" أمام تحول استراتيجي، يتجه، وبقوة، ناحية اليمين.
سبوتنيك -