يونس السيد
بالنار والغضب.. والاشتباك مع الاحتلال.. أحيا الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة وخارجها، الذكرى ال43 ل«يوم الأرض»، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى ل«مسيرات العودة»، التي انطلقت في 30 مارس/آذار الماضي على الشريط الحدودي لقطاع غزة.
إحياء «يوم الأرض»، هذه المرة، جاء مختلفاً، ليس لأن مناسبة الدفاع عن تهويد أرض الجليل في 30 مارس/آذار 1976 تغيرت، والتي ضرب خلالها الفلسطينيون مثلاً أسطورياً في المقاومة، جعلت من ذلك اليوم يوماً خالداً في الذاكرة الفلسطينية، دأب الفلسطينيون على إحيائه في كل عام؛ وإنما لأن الأرض كلها أصبحت تتعرض لأبشع وأخطر هجمة استعمارية عرفها التاريخ.
فالأرض اليوم دخلت في العصر (الأمريكي-«الإسرائيلي») عصر البلطجة، وغطرسة القوة، وأصبحت توزع هدايا بالمجان ممن لا يمتلكها إلى من
لا يستحقها، وكأن «وعد بلفور»، الذي سرق الوطن الفلسطيني منذ عام 1917 لم يعد كافياً، وكأن عمليات التهويد والهدم والترحيل، التي أعقبت إنشاء «إسرائيل» في عام 1948 على أنقاض مئات القرى والمدن الفلسطينية، وتشريد الملايين من أصحاب الأرض الشرعيين، بعد ارتكاب المجازر والإعدامات الفردية والجماعية بحقهم لم تعد كافية، فالمطلوب اليوم هو الإجهاز على ما تبقى من الأرض والشعب!.
في هذا العصر تلتحق هضبة الجولان السورية المحتلة، التي ظلت حارساً أميناً لفلسطين عبر العصور، بجرة قلم، في احتفال أُقيم في البيت الأبيض، وتقدم قرباناً على مذبح الأمن «الإسرائيلي»، وهدية مقدمة مسبقاً لنجاح نتنياهو في الانتخابات المقبلة؛ ليكتمل المشهد، وتسود شريعة الغاب، وتسقط معها آخر أوراق التوت، التي كانت تغطي حقوق الإنسان وشرعية الأمم والقوانين الدولية؛ لذلك يأتي إحياء «يوم الأرض» مختلفاً، هذه المرة، فالعدوان مستمر منذ «وعد بلفور» وحتى الآن، من حلب في شمال سوريا إلى غزة والنقب في جنوب فلسطين؛ ولكن لأن العدوان لا يزال مستمراً؛ فإن المقاومة لا تزال مستمرة أيضاً، ويشهد على ذلك هذا الإصرار والتشبث بالأرض، وهذه الفعاليات النضالية والكفاحية الواسعة الممتدة من التظاهرات والاحتجاجات والاشتباك مع الاحتلال إلى الأنشطة الفكرية والثقافية، وحتى العودة لزراعة الأرض وتشجيرها؛ ولأن الأمر كذلك، لم يعد ثمة أي مجال للاختيار أو التراجع، فكل المؤشرات تذهب في اتجاه عودة الصراع إلى مربعه الأول، من دون أي تسويات أو حلول، ولا ما يُسمى
ب«صفقة قرن»؛ لأن التضحيات والدماء، التي سالت عبر عشرات السنين لا يمكن أن تذهب هدراً؛ ولأنهم هم من أعاد فرض المُعادلة (إما نحن أو هم على هذه الأرض).
صحيح أن دولة الاحتلال فوق القانون؛ بفضل الحماية، التي تحظى بها في واشنطن، وبعض عواصم الغرب؛ ولذلك لم تنفذ قراراً واحداً من قرارات الأمم المتحدة أو تلك الصادرة عن كل المحافل الدولية، وآخرها قرارات لجنة تقصي الحقائق، التابعة لمجلس حقوق الإنسان بشأن «مسيرات العودة»، التي سقط خلالها 258 شهيداً، وأكثر من 29 ألف جريح؛ ولكن هذا الدعم وتلك الحماية لن يبقيا إلى الأبد، ويمكن أن يسقطا في لحظة ما؛ بمواصلة المقاومة، والعمل على كسر «معادلة القوة»؛ إذ لم يعد ثمة أي مجال لمثل هذا الترف؛ لأن الجميع بات مستهدفاً، بينما الأرض غاضبة، وتستغيث أصحابها: (أن توحدوا.. فالآتي أعظم..).