فلسطين دائما وأبدا...حق العودة حلم سيتحقق... و"أحلا من بلادنا ما في"...هي عبارات لطالما رددها كبار السن في مخيم البداوي، حالمين وأملين بالعودة للبيارة وكرم الزيتون.
هم ذاكرة حية تعيش في المخيم ولدت في فلسطين، وشابت في لبنان، لتصبح ذكريات ناطقة تتكلم عن فلسطين وأيامها، فعلى حد قولهم "ما بتموت شغلة وراها مطالب، الأرض إلنا وإحنا بدنا نضل نطالب فيها".
فلسطين في الذاكرة
اليوم وبعد مرور 66 عاماً على نكبة فلسطين عام 1948، تستحضر الحاجة شكرية رسلان (75 عاماً) حلم سنوات مضت، يفارق بين حلمها والواقع ظرف مكان ليس ببعيد، فالحاجة شكرية من قرية عبلين الواقعة بالقرب من شفاعمر شمال فلسطين المحتلة، تبحر بمخيلتها متأملة صور الماضي وتصفها لنا، فالأرض زراعية خضراء تلونت بالخضار والفاكهة من كل ما تشهتيه النفس. تحدّث الحاجة عن حقل القمح وتصف سنابله الذهبية بأشعة شمس نبتت من الأرض، أما كرم الزيتون فكان له الحصة الأكبر من ذاكرة الحاجة شكرية لما قضت من أيام عمل بين أشجاره، وكم من قطرة زيت قابلتها قطرات من العرق على جبين الحاجة واصفة إياها بقطرات "الصبا".
تتوالى الذكريات، لتسرح بالحاج وليد الحديري (80 عاماً) في أزقة الماضي، فيتنهد قائلاً "أيامنا... كانت أيام عز وكرامة"، يتذكر الحاج منزله في صفد شمال فلسطين، فيتحسر على أرض أطلت عليها شرفة المنزل ويقول ضاحكاً "هو لو في متل هديك المناظر...كنا ختيرنا".
النكبة.... نكبتين
لا يخفى على أحد ما حدث عام 1948، يوم دخلت العصابات اليهودية أرض فلسطين.
وفي هذا يحدثنا الحاج وليد عما حدث حينها في قريته، ينظر إلى السماء وكأنه يرسم بعينيه لوحة تلونها ذكريات الماضي بمآس عاناها أهل القرية، فيقول الحاج "سنة 1948 جاء اليهود وأرادوا دخول القرية، لكننا كنا لهم بالمرصاد. رجال القرية كلهم وقفوا ولم يسمحوا لليهود بالإقتراب وأنا كنت معهم حينها فقد كان عمري 15 عاماً لكن (يا حسرة) لم يكن بإمكان معاولنا أن تتغلب على بنادقهم".
ويضيف "أخرجونا من بيوتنا (بأواعينا)، ذهبنا مشياً على الأقدام من صفد شمال فلسطين وصولاً إلى قرية بنت جبيل في الجنوب اللبناني، لم يكن هناك ماء ولا مأوى ولا أي شيء من مقومات الحياة، وكنا نشتري إبريق الماء بليرة".
أما الحاجة أم جمال سالم (66 عاماً) فصدقت حينما قالت "أنا يا ستي... نكبتي بنكبتين". هي ممن هًجّروا عام 1976 من مخيم تل الزعتر. تتذكر الحاجة ما حدث حينها بغصة قلب تلوم الزمن وتقول "بعد أن هجرنا من فلسطين مكثنا في لبنان تحديداً في مخيم تل الزعتر في بيروت. كنا ننام في الخيمة وننتظر مساعدات الأونروا فهي كانت مصدرنا الوحيد لتأمين إحتياجاتنا، وبدأنا بالتأقلم شيئاً فشيئاً إلى أن بدأت الحرب الأهلية في لبنان، وهنا كانت النكبة الثانية". الحاجة أم جمال تحمد الله فهي وبالرغم من كل ما حدث خرجت حية من الحرب، لترسو سفينة الزمن بها في مخيم البداوي، تتكلم الحاجة وهي متعبة تلازم الفراش "مخيم البداوي كان أخر محطة لي، وصلنا إليه لنعيد مشهد الـ48 فها نحن في أرض جرداء بإنتظار من يساعدنا، إلى أن جاء أبو عمار وإشترى قطعة أرض محاذية للمخيم وقام بإعمار بيوت عليها وأسكننا فيها. اليوم، ها أنا وبعد 30 عاماً لا أزال في مكاني ألازم فراشي بإنتظار أجلي".
تهميش.. هي حياة المخيم
هؤلاء الأجداد هم مخزون فلسطين التاريخي فلا الكتب ولا الإحصائيات أصدق إحساساً ممن عايشوا الواقع وذاقوا المعاناة، لكنهم وفي ظل نسيان الجيل الجديد لهم يشعرون بحالة من اليأس أوصلتهم ليقولوا "رجعنا ولا عمروا ما حدا رجع شو فيها الدنيا".
يجلس الحاج وليد الحديري متأملاً المارة في الطريق وفي عينيه حسرة على الماضي. يحدثنا عن كبار السن في المخيم "لم نعد نجد من يهتم بنا، لا يسألنا أحد إن كنا بحاجة لشيء، وكل ما نريده أن يحسّوا بنا فنحن عانينا الأمرّين في الماضي".
يصف الحاج وليد المجتمع الفلسطيني في المخيم بأنه "مجتمع فلسطيني لبناني، لم تعد العادات والتقاليد كما كانت"، لا يوجد من يرعى هؤلاء المسنين الذين لا يزالون يسردون أيام فلسطين وكأنهم يعيشونها اليوم ليعلموا أبناءهم جيلاً بعد جيل من هي فلسطين.
هم تاريخ فلسطين يعيشون نكبتهم الثالثة بين تهميش المؤسسات الإجتماعية لهم ونسيان الأجيال الناشئة لفضلهم بتعريفهم على فلسطين والتذكير بالقضية الفلسطينية.
حق العودة
في رسالة من جيل الشباب للأجيال السابقة أجيال فلسطين، يقول مسؤول النادي الثقافي الفلسطيني العربي أسامة العلي، "منذ إحتلال فلسطين عام 1917 من قبل الإنكليز وترسيخ الإحتلال بيد اليهود عام 1948، لا تعد فترة طويلة في تاريخ الدول، فلا ننسى إحتلال الصليبيين للقدس مدة 92 عاماً، لكن العزيمة والإرادة يجب أن تتغلب على كل هذا اليأس، فنحن كمسلمين موعودون بالعودة إلى فلسطين".
ويضيف "لا تخافوا، نحن جيل لا نرضى بالمفاوضات ولا بالتنازل عن ذرة تراب من أرض فلسطين وسنعمل على تحريرها، أخرجكم اليهود منها ونحن سنعيدكم إليها إن شاء الله، ولكم منا كل الإحترام فأنتم أجيال فلسطين".
هي قصة حب وشوق للوطن تناقلتها الأجيال واحداً تلو الآخر يخبرون الإحتلال أنه ومهما طال الزمان لا بد من العودة إلى فلسطين، وعلى حد قول الحاجة شكرية "يركبونا بالباخرة ويكبونا بحيفا وعكا منروح ومنقعد بالردم، هو حدا بنسا بلادوا".