يمكن النظر الى جولة «جاريد كوشنر» صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمسئول عن ملف التسوية بالشرق الأوسط وبرفقته كل من جيسون جرينبلات مبعوث ترامب للمفاوضات الدولية، وبراين هوك مبعوث الرئيس الأمريكى لملف مواجهة إيران لعدد من دول مجلس التعاون الخليجى التى بدأت الإثنين الماضى بزيارة أبو ظبي مرورا بمسقط ثم الرياض وصولاً الى الدوحة بوصفها المحطة الأخيرة لقطار تسويق ما بات يعرف بـ«صفقة القرن الأمريكية»، وذلك قبيل إعلانها بعد إنتخابات "كنيست" الاحتلال الإسرائيلي المنتظر إجراؤها في التاسع من شهر أبريل المقبل.
وعملت إدارة ترامب فى هذه المحطة الأخيرة على الحصول على الإسناد المالى لتنفيذ الشق الاقتصادى من الصفقة، سعيا لما تصفه بتسهيل السلام بين "الإسرائيليين "والفلسطينيين وتطوير المنطقة بأكملها عبر الاستثمار الاقتصادي، وذلك وفق بيان السفارة الأمريكية فى أبو ظبي.
وطبقا لكوشنر نفسه، فإن هذه الصفقة التى مازال يحيط بها الغموض تركّز على ترسيم الحدود وحل قضايا الوضع النهائي، فضلا عن منح الشعب الفلسطينى القدرة على الاستفادة من إمكاناته، ومنح المستوطنين فرصة الاندماج بشكل ملائم فى المنطقة ، على حد تعبيره، وهنا مكمن الخطورة فى هذه الصفقة، فهى تنأى بمسافات عن المحددات التى وضعتها الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة التى شاركت واشنطن فى صياغتها، وتمريرها عبر مجلس الأمن وتمنح الأولوية للشق الاقتصادي، أو ما يطلق عليه البعض السلام الاقتصادي، وهو أمر قد يكون مغريا لبعض الدوائر فى المنطقة، غير أنه على المدى الطويل -وهو مالم تنتبه له إدارة ترامب أو لاترغب فى التنبه له ــ ينطوى على ألغام قابلة للتفجير فى أى لحظة، ما دام الفلسطينيون لم يتمكنوا من بناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويتحرروا من الاحتلال الإسرائيلى الذى يتسم بطبيعة اسيتطانية استعمارية غير مسبوقة.
وفى السياق، نفسه يقول الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتخصص فى الشئون الفلسطينية فى تصريح لـ «الأهرام»، عن قراءته لأبعاد جولة كوشنر فى هذا التوقيت، أنها لاتخرج عن كونها تسويق المسودة الأخيرة لصفقة القرن قبيل طرحها، لاسيما فى شقها الاقتصادي، الذى ترى إدارة ترامب أنه المدخل الذى من شأنه أن ينعش الآمال بإيجاد حل للصراع الفلسطينى الإسرائيلي وفق عقلية رجل قادم من رحم الاستثمار وإدارة الأعمال، لكن اللافت للنظر أن الجولة الأولى لم تحقق ما كانت تسعى اليه واشنطن من قبول كامل بهذه المحددات، وهو ما تجلى فى سلسلة المواقف الرسمية التى عبرت عنها دول مجلس التعاون الخليجي، وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، لكن دولا خليجية قد تقبل بالمشاركة فى تقديم الدعم المالى لما يسمى بمشروع قضبان السلام، والذى يتضمن مخططا لإنشاء سكة حديد تربط بين فلسطين المحتلة مروراً بالأردن وصولا لدول الخليج، تحت اسم «مشروع سكة السلام الإقليمي»، وفى الوقت نفسه، فإن واشنطن عبر مبعوثيها للمنطقة، قد تلجأ إلى ممارسة نوع من الضغوط على بعض دول الخليج لتوفير الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ الشق الاقتصادى في الصفقة، غير أن أغلبها لن يتقبل هذه الضغوط، وإن كانت قطر ــ كما يؤكد الدكتور فهمى ــ ستقوم بدور العراب الخليجى لهذه الصفقة بالذات فى غزة، وثمة تقارير تتحدث فى هذا الشأن عن إسهاماتها الضخمة غير اسهاماتها فى تمويل مشروعات الإسكان فى إنشاء جزيرة فى البحر المواجه لغزة، لتوسيع مساحة أراضيه واستغلالها استثماريا، فضلا عن فتح منفذ بحرى مع « لارنكا «القبرصية ليكون بديلا عن معبر رفح مع مصر فى التواصل مع العالم .
لكن الدكتور فهمى يرى بوضوح أن حائط الصد الأساسى أمام تنفيذ صفقة القرن تمثله مصر، لأن مصر لاتقبل إهدار الحقوق الوطنية للفلسطينيين، لاسيما أنها ظلت المدافع الأول عنها على مدى العقود السبعة المنصرمة.