Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

خاص فلسطين اليوم ــ بين حيفا وصفد... قصة "الكندرجي" والهاون

خاص فلسطين اليوم ــ بين حيفا وصفد... قصة

نائل عبداللطيف 15- 5-2014... مع انتهاء ساعات هذا اليوم تتم النكبة الفلسطينية عامها 66، لتزيد عاماً من التهجير واللجوء على عاتق الشعب الفلسطيني.

 

في هذا اليوم أراد فريق عمل موقع "قناة فلسطين اليوم"التوجه إلى مخيمات اللاجئين في لبنان لإستطلاع أوضاعهم وما يقوله لسان حالهم، فكانت وجهتنا إلى مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان.

سرنا في أزقة المخيم إستمعنا لهذا وذاك، شخص فاقد للأمل من العودة إلى دياره في فلسطين، وآخر ينتظر يوم تحرير أرضه وعودته إليها على أحر من الجمر.

وشاءت لنا الصدف أن نلتقي واحداً ممن هجّروا من فلسطين عام 1948 على يد العصابات اليهودية، هو الحاج كامل بلعاوي (80 عاماً) من أبناء قرية شفاعمر شمال فلسطين المحتلة.

لقاؤنا ببلعاوي كان على باب دكانه الصغير، يعمل به الحاج منذ زمن عمره من عمر النكبة، الحاج كامل يعمل إسكافي أو كما تقال باللهجة الفلسطينية "كندرجي"، فضرب الحاج كامل بالمطرقة على مسمار كان قد وضعه في نعل حذاء لا يزال بصبغته الفلسطينية أيضاً. كل ما تراه في دكانه الصغير من أدوات لإصلاح الأحذية عمره من عمر طفولة الحاج كامل الذي امتهن إصلاح الأحذية بحيفا بعد أن انتقل إليها هو وأخوه الأكبر، وشاء له القدر أن يمتهنها بقية حياته حتى بعد أن اجتاحت العصابات اليهودية فلسطين وهجّر الفلسطينيون إلى لبنان، حافظ بلعاوي على مطرقته ومسماره الفلسطينيين، ليمسي دكان الحاج كامل شيئاً من التراث الفلسطيني.

يحدثنا الحاج عن طفولة استغلها بتعلم مهنة الإسكافي، ويروي لنا كم كانت فرحته كبيرة بعشرين قرشاً كان يتقاضاها حينها، لكن كلامه غص بألم، صمت من بعده للحظات، وعاد ليكمل حديثه بمقطع من قصيدة كان قد تعلمها أثناء قتاله ضد العصابات الصهيونية في صفوف جيش الإنقاذ العربي فيقول...

"فلسطين مهد المسيح ومعرج العدنان... عمال بتبكي على حالة أهاليها

الجوع والبرد والتشريد والحرمان... أمراض عميعجز الدكتور يشفيها

حيفا ويافا وصفد والناصرة وبيسان... عكا وبلدان لا أحصى أساميها

صارت أسيرة وفيها تحكّموا العدوان... ورايات صهيون رفّت في أعاليها

يا حيف يا حيف يا حسرة ويا خسران... يا للأسف ويا خيبة أمانيها"

بضع كلمات اختصر بها الحاج قصة شعب أرهقه البعد عن الوطن، واستطرد قائلاً "حاولنا نردهم لكن ما قدرنا"، فقد كان بلعاوي واحداً من الجنود الذين قاتلوا في جيش الإنقاذ العربي عام 1948.

ويتابع الحاج كامل، ليروي لنا أحداث أيامهم الأخيرة في القتال مع فرقة المدفعية "أنا قعدت بجيش الإنقاذ تقريباً سنة أو سنتين، كنت مسؤول عن ضرب قذائف الهاون 61، حصلت معانا معركة بصفد، إجانا خبر من القيادة إنو العصابات الإسرائيلية رح تجيها مؤن.. وعند قلعة جدين، إجت الطيارة وصارت تزتلهم الأكل والمي بالبراميل".

تظهر ملامح الحماس والسعادة على وجه الحاج في حديثه عن الكمين الذي نصبه هو وأعضاء الفرقة التي كان معها للمستوطنين اليهود عند قلعة جدين في صفد ويقول "بوقت إللي إجتهم في المؤن تقريباً الساعة 3 العصر، فرقتنا كانت مطوقة القلعة وفتحنا النار عليهم على مسافة نصف كيلو متر تقريباً واستمر الاشتباك إلى أن غابت الشمس، وبعديها انسحبنا ورجعنا لمقرنا بالراس الأحمر، بعدين نقلونا لضيعة طيطبا بالقرب من مستعمرة اسمها عين الزيتون، هناك عملنا عملية تانية نفذها مهندسون ألغام كانو معانا وقتها زرعوا ألغام عالمفرق بين طيطبا ومستعمرة عين الزيتون وقمنا بتفجيرها بمجموعة من المستوطنين أثناء خروجهم من المستوطنة...".

كلمات بلعاوي تصل مسامعنا وكأنها شريط مصوّر يمرّ أمامنا فهو يصف لنا المشهد بأدق تفاصيله بكافة أحاسيسه وأحاديثه حتى الجانبية منها، لتفيض عيناه بالدموع مرة أخرى.

ينتهي يومنا وبجعبتنا حقبة زمنية مليئة بأرشيف شخص يمثل جيلاً ممن عايشوا هذه الفترة عملوا وعاشوا في مجتمعات على أرضهم فلسطين، واجهوا الاحتلال وقاتلوا العصابات الصهيونية سوية.

اليوم يبقى منهم قلة قليلة كالحاج كامل بلعاوي، يروون أحداث وذكريات بتفاصيل يصعب على العديد من الكتب التاريخية التي تناولت القضية الفلسطينية سردها، ليبقى السؤال لماذا لا توثق قصص وحكايات "جيل النكبة" في وقت يحاول فيه الاحتلال الإسرائيلي دثر الهوية والتراث الفلسطيني، وإنكار أي وجود للمجتمعات الفلسطينية على أرض فلسطين التي يسعى مراراً وتكراراً لتهويدها...