د.أحمد جميل عزم
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يوم السبت 22 كانون الأول (ديسمبر) 2018، “أنّ المحكمة الدستورية أصدرت قرارا بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات تشريعية خلال ستة أشهر وهذا ما يتوجب علينا تنفيذه فورا كخطوة أولى”. طغى هذا البند على باقي مضامين الخطاب، رغم أنه لا يغير كثيرا من الواقع السياسي الفلسطيني إلا إذا تبعته خطوات أخرى، بل قد يعني “كارثة” دستورية.
هناك اختلاف بين نص الكلمة التي ألقاها الرئيس الفلسطيني، والنص الذي وزعته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، ففي نهاية النص الموزع، جاء سطران، لم يردا في الكلمة، هما “وقد اتخذت المحكمة الدستورية قرارا بحل المجلس التشريعي وإجراء الانتخابات التشريعية، وسوف ينشر القرار في جريدة الوقائع الفلسطينية (الجريدة الرسمية) وسنلتزم بتنفيذ القرار”.
هذان السطران، يمسان التساؤلات التي ظهرت فور إعلان الرئيس الفلسطيني إعلانه، وهو متى قدمت القضية للمحكمة؟ ومن قدمها؟ ومتى اتخذت قرارها؟ وما هو نصّه؟. وهل يمكن اللجوء للمحكمة مثلا لأمور مثل المطالبة بانتخابات رئاسية؟
في يوم الاثنين، 24 كانون الثاني (ديسمبر) الحالي، نشرت الوكالة ذاتها، مقالا جاء فيه “أصدرت المحكمة الدستورية العليا، قرارها التفسيري رقم (10/ 2018) بتاريخ 12/12/2018، باعتبار المجلس التشريعي منحلا، ودعوة الرئيس لإصدار مرسوم الدعوة للانتخابات البرلمانية خلال ستة أشهر”. وجاء أيضا “ونص القرار التفسيري على أن شرعية وجود المجلس التشريعي تأتي بممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية، ونظرا لعدم انعقاده منذ عام 2007 يكون قد فقد صفته كسلطة تشريعية وبالنتيجة صفة المجلس التشريعي”. وقالت الوكالة “أوضحت المحكمة في قرارها بأن المجلس التشريعي في حالة تعطل وغياب تام وعدم انعقاد منذ تاريخ 5/7/2007، وانتهت مدة ولايته بتاريخ 25/1/2010 أثناء فترة تعطله وغيابه، وما يزال معطلا وغائبا بشكل كامل حتى الآن، وبناء عليه فإن المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ومصلحة الوطن تقتضي حل المجلس التشريعي المنتخب بتاريخ 25/1/2006، وبالتالي اعتباره منحلا منذ تاريخ إصدار هذا القرار”.
ما زال القرار غير واضح، وملابسات طرحه في المحكمة غامضة، بانتظار نشر نصه، وما زالت عملية الحل ذاتها تنتظر قرارات ومراسيم وإجراءات تنفيذية.
المعنى العملي الوحيد للقرار حاليا، أنّه في حال غياب الرئيس لن يحل رئيس مؤقت من قيادة المجلس، مع أنّ هذا الأمر بحد ذاته ليس مهما حقا، فالرئيس المؤقت لديه مهمة محددة بستين يوما، لا يمكن أن يدعي شرعية بعدها. والوضع في حالة حل المجلس التشريعي، دون مجلس بديل، يخلق أزمة أيضاً، لأنه لا يوجد نص يوضح من يتولى هذه المرحلة الانتقالية.
بدأت حركة “حماس” في الأيام السابقة للإعلان، إعطاء إدارييها في قطاع غزة، صلاحيات، تتجاوز الحكومة المركزية في رام الله، وتتجاوز وجود مجلس تشريعي، بفرض ضرائب ورسوم جديدة في غزة، واتخاذ اجراءات تعني وجود نظام سياسي وإداري في القطاع، بمعزل عن أي مجلس تشريعي أو سلطة تنفيذية مركزية.
ليس واضحا أيضا ما هي القرارات التي ستتخذ للتصدي للسياسات الأميركية المتوقع تسارعها الشهر المقبل، لفرض واقع جديد في الأراضي الفلسطينية، وفي التصدي للإجراءات الإسرائيلية التي تعيد دور الإدارة المدنية (أي مؤسسات الاحتلال) التي تتعامل مع الفلسطينيين من تجار ورجال أعمال وأفراد، بمعزل عن السلطة وقوانينها ومؤسساتها.
المرجح الآن، ولكن دون معرفة توقيت هذا، ومدى تدرجه، أن الرئاسة الفلسطينية، ستتخذ قرارات جديدة تتعلق بوقف تمويل الخدمات والرواتب في قطاع غزة كليا أو جزئيا. خصوصاً إذا ردّت “حماس” بخطوات مثل إعادة السيطرة الحصرية على المعابر، أو إذا أعلنت مواقف سياسية انتقامية للإعلان، أو تقاربت أكثر مع القيادي السابق في حركة “فتح” محمد دحلان، وأعضاء المجلس التشريعي “المنحل”، القريبين منه، الذين قد يقومون بتحرك مشترك مع نواب “حماس” لتحدي قرار الحل.
السؤال الآن، هل ستجري انتخابات جديدة؟ وإذا كان ممكنا إجراؤها فعلا، هل تشمل الانتخابات الرئاسية؟ فإذا كانت انتخابات التشريعي ممكنة تصبح انتخابات الرئاسة حتمية، وعدم إجراء انتخابات التشريعي هو كارثة دستورية. ويصبح السؤال أيضا لماذا لا تجري انتخابات لتجديد المجلس الوطني الفلسطيني؟
في الواقع أن السؤال الآن كيف ومتى يتجدد كل النظام السياسي الفلسطيني؟