يونس السيد
هل تنجح روسيا في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، بينما ينتظر العالم «صفقة القرن» التي سمع بها لكنه لا يعرف مضمونها حتى الآن؟ وهل تستفيد موسكو من الرفض الفلسطيني للصفقة المذكورة وبوادر الانكفاء الأمريكي في المنطقة بعد الانسحاب من سوريا، أم أن محاولتها ستذهب أدراج الرياح وتلحق بما سبقها من مبادرات؟
روسيا التي تتحرك بمنطق الدولة العظمى، تدرك أن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحققا إلا بعد إيجاد حل عادل وشامل ومتوازن للقضية الفلسطينية وتسوية الصراع العربي -«الإسرائيلي»، وهي تتحرك من منطلق أنها مقبولة لدى كل الأطراف. لكن ما يعيب هذا التحرك ويشكل نقطة ضعفه الأساسية هو غياب الثقة بينها وبين «إسرائيل» التي لن تمنح هذه الثقة، إلا للولايات المتحدة، في نهاية المطاف. ومع ذلك فهي تبقي الباب مفتوحاً أمام مبادرتها التي تهدف إلى جمع نتنياهو وعباس في موسكو، وهي تستند في هذا التحرك إلى أن التفرد الأمريكي في إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني -«الإسرائيلي»، طوال السنوات الماضية، وسواء عبر «صفقة القرن» أو محاولات الإدارات الأمريكية السابقة، أخفق في إحراز أي تقدم جوهري لحل الصراع، بسبب الانحياز الأمريكي الأعمى ل«إسرائيل»، وترى أن محاولات تهميش القضية الفلسطينية من خلال التركيز على النزاعات الدائرة في المنطقة يضر بأمنها واستقرارها، أكثر مما يفتح المجال أمام تسوية هذه النزاعات، وبالتالي، فهي ترى أن هناك متغيرات قادمة قد تشهد انكفاء الدور الأمريكي وظهور حاجة لسد هذا الفراغ، قد تسهم في دفع الأطراف إلى البحث عن تسوية جادة.
وتعتقد موسكو أن السبيل الأفضل لتحقيق ذلك هو إنهاء الاحتكار الأمريكي، والعودة لإحياء اللجنة الرباعية الدولية وتفعيلها، من منطلق أن واشنطن لن تستطيع حل القضية الفلسطينية بمفردها، وبالتالي لا بد من العودة إلى «حل الدولتين» وقيام دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وهو الحل الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغالبية دول العالم. لكن موسكو تدرك في نفس الوقت أن مفتاح أي تسوية سياسية يكمن في إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وتوحيد فصائل العمل الوطني تحت مظلة القيادة الفلسطينية في رام الله، باعتبارها الجهة الشرعية المعترف بها، ولهذا فهي وجهت الدعوة إلى لقاء في موسكو يضم كل القوى الفلسطينية بما في ذلك حركتا «فتح» و«حماس» خلال العام المقبل.
هناك تجارب ومبادرات عديدة، أطلقت عبر السنوات الماضية، لتحقيق المصالحة الفلسطينية، لكنها لم تنجح رغم المخاطر الجسيمة التي تتهدد القضية الوطنية، إما بسبب التعنت الفصائلي وتغليب المصلحة الفئوية والاستئثار بالسلطة على المصلحة الوطنية العليا، وإما بسبب دخول أطراف إقليمية ودولية داعمة لهذا الطرف أو ذاك على خط المصالحة، أو بسبب «الفيتو» الأمريكي-«الإسرائيلي» الذي كان يتسيد معظم مراحل هذه المحاولات.
فهل تنجح موسكو في تجاوز كل هذه العقبات بمراهنتها على حدوث متغيرات قادمة في المنطقة، أم أن محاولاتها ستلحق بما سبقها من مبادرات؟ الأيام أو الشهور القادمة ستجيب على هذا السؤال دون شك.