حازم عياد
رفضت موسكو احتجاج خارجية الكيان الإسرائيلي استضافة موسكو لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية؛ وردت وزارة الخارجية الروسية على الاحتجاج الإسرائيلي بحسب القناة العاشرة بالقول: "أنتم أنفسكم تتحدثون مع حماس"؛ وتقصد بذلك التخفيف من إجراءات الحصار والهدنة المعلنة.
موسكو كانت من ضمن المصوتين ضد مشروع القرار الأمريكي الذي عرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب الصين؛ قرار فشل فشلا ذريعا في إدانة صواريخ المقاومة وحركة "حماس"؛ وبذلك فإن حركة "حماس" تكرست كواقع سياسي وقانوني لم يعد بالإمكان تجاوزها واقعيا وقانونيا؛ خصوصا وأن استضافة موسكو لقيادات من حركة "حماس" ليس الأول من نوعه؛ غير أنه الأول في مستوى تمثيله ودلالاته باستضافة قيادي كبير ورمز من الرموز السياسية للمقاومة بالتزامن مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ عاكسا بذلك رغبة موسكو في كسر الاحتكار الأمريكي لملف القضية الفلسطينية.
دور روسي متعاظم
سلوك موسكو السياسي تجاه الملف الفلسطيني لم يقتصر على التعاطي مع حركة "حماس"؛ إذ حاولت لعب دور في المصالحة الفلسطينية بين حركتي "حماس" و"فتح"؛ وتحاول أن تكون فاعلا في الضفة الغربية من خلال مناقشة مستقبل السلطة الفلسطينية في رام الله؛ فاستقبلت محمد دحلان القيادي السابق في حركة "فتح" وأعطته مساحة للتحرك واحتفت به إعلاميا.
الأهم من ذلك تسربت أنباء عن وساطة روسية لعقد لقاء بين وزيرة الثقافة التابعة للكيان الإسرائيلي ميري ريغيف ومحمد دحلان في موسكو لمناقشة مستقبل السلطة؛ أمر تجنبته وزيرة الثقافة والرياضة خشية إغضاب واشنطن على الأرجح؛ علما بأن الوزيرة المتطرفة كان بإمكانها لقاءه في الإمارات العربية أثناء زيارتها لأبوظبي على رأس وفد رياضي للمشاركة في بطولة الجودو في حينها.
المحاولة الروسية لعقد لقاء بين دحلان وريغيف تتخذ طابعا رمزيا استعراضيا لا يخلو من الاستفزاز لواشنطن التي تعتقد بأنها تنفرد بالملف الفلسطيني وتسعى إدارة ترمب لتتويجه بصفقة القرن المتعثرة.
في المقابل فإن زيارة هنية إلى موسكو تعتبر اختراقا مهما وعميقا سواء لموسكو أو لحركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية وتكريسا لحضورها كأمر واقع لا يمكن تجاهله أو التقليل من أهميته، فهي فاعل سياسي حقيقي؛ أسهم في تشكيله أداؤها السياسي والعسكري المقاوم وأسهمت فيه أيضا البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة.
مناخ إقليمي مختلف
زيارة هنية المرتقبة إلى موسكو تنعكس على الأجواء الاحتفالية التي حاول نتنياهو وأعضاء حكومته إضفاءها على موجة التطبيع مع العالم العربي لتقدم إضافة نوعية وسياسية لأداء المقاومة وحركة "حماس"؛ فـ "حماس" معنية بتكريس حضورها السياسي كترجمة لأدائها المقاوم ومعنية بتوجيه رسائل للكيان والسائرين في موجة التطبيع؛ في حين أن موسكو معنية بترويض الكيان الإسرائيلي وتوجيه رسائل قوية للولايات المتحدة، وهذا وفّر مساحة وفضاء واسعا لمزيد من المناورة السياسية لحركة "حماس" ومن معها من قوى المقاومة.
ختاما فإن موسكو تحقق اختراقا تلو الآخر على كافة الجبهات كالجبهة السورية من خلال لعب دور مباشر في زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق على متن طائرة روسية؛ أو بتوجيه دعوة لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية؛ أو دعمها غير المباشر للعملية التركية شرق الفرات؛ مقدمة رسائل قوية لواشنطن بأنها قادرة على توسيع الاختراق السياسي لمنطقة "الشرق الاوسط" المنطقة العربية؛ مسألة ستدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات موازية على الأرجح فاتحة الباب لمزيد من التحولات السياسية في المنطقة والساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا.