Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

اغتيال القائدين هنية وشكر.. الأهداف والتوقيت والسيناريوهات المرتقبة؟

فلسطين اليوم//وكالات

القائد إسماعيل هنية يُعَدّ القائد السياسي الرقم واحداً في حركة حماس، والقائد فؤاد شكر يُعَدّ الرجل الثاني في حزب الله، ودماؤهما إما ستكون مدخلاً لحرب إقليمية وإما لصفقة شاملة. والأيام المقبلة ستحسم إلى أين تسير الأمور.

 

قيام "إسرائيل" بتنفيذ عمليتي اغتيال بحق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والقائد العسكري الكبير في حزب الله، فؤاد شكر، في ليلة واحدة، يبعث على التساؤل عن أهدافها تجاه هاتين العمليتين، من حيث التوقيت من جهة، والأهداف الإسرائيلية من جهة أخرى. 

ما نراه من أحداث دراماتيكية، متمثلة بعودة "إسرائيل" إلى سياسة الاغتيالات، واضح أنه يأتي نتاج حصاد زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، وأخذ الضوء الأخضر لضمان تنفيذ هذه الاغتيالات، إما من أجل تسويقها على أنها صورة إنجاز وانتصار تُخرج نتنياهو وجيشه المنهك من مأزق الحرب في قطاع غزة وتشكل نهاية لها، وتسويقها إنجازات استراتيجية لتمرير النصر الذي فشل في تحقيقه ميدانياً في غزة على مدار عشرة أشهر من حرب الإبادة المستمرة، في وقت باتت "إسرائيل" عاجزة عن توسيع نطاق المواجهة ميدانياً في الجبهة الشمالية، أمام فشلها في حسم المعركة داخل قطاع غزة من دون الخضوع لشروط المقاومة والتوقيع على صفقة تبادل للأسرى. وربما تكون حادثة اغتيال هنية في طهران تحديداً هي نتاج مخطط أميركي إسرائيلي بريطاني من أجل استدراج إيران إلى معركة كبيرة، هدفها تدمير قدراتها، وفرض واقع جديد في المنطقة ضمن ترتيبات جديدة. 

في الجبهة الشمالية، حاولت "إسرائيل" استغلال حادثة صاروخ مجدل شمس وتوظيفها عبر توجيه ضربة إلى حزب الله، واغتيال القائد فؤاد شكر، الشخصية العسكرية البارزة في الحزب، وتوظيف الأمر على أنه جزء من حالة ترميم صورة الردع المتأكّل منذ حرب تموز 2006، إلى استعادة الردع المفقود منذ السابع من أكتوبر وفتح حزب الله جبهة الإسناد لغزة، بعد معركة طوفان الأقصى. 

وباغتيالها القائد إسماعيل هنية، خلال زيارته طهران في يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، فهي تكون خلطت الأوراق أكثر وعقّدت ملف التفاوض بشأن صفقة التبادل، وتحاول تسويق هذه العملية على أنها إنجاز استخباري يسجَّل لها.

هذان الحدثان كفيلان يأن يكونا سبباً في توسيع بقعة المواجهة والحرب، ودحرجتهما إلى ما هو أوسع من ذلك، في وقت باتت المنطقة ملتهبة والحرائق تتوسع كل ساعة. وكل المعطيات تفيد بأن المشهد يغلي وبات على صفيح ساخن، في ظل العربدة الإسرائيلية غير المسبوقة للصهيونية الدينية، والتجرؤ على تنفيذ هذه الاغتيالات بحق قياديَّين، سياسي وعسكري. 

ثمة سؤال يطرح نفسه هنا: هل هذه الاغتيالات التي وقعت، مع احتمال كبير بشأن تنفيذ اغتيالات أخرى خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، ستأخذ المشهد إلى مستوى أعلى من التصعيد، في ظل إعلان إيران وحزب الله استعدادهما للرد على جريمتي الاغتيال اللتين وقعتا في الضاحية الجنوبية وطهران، أم أنها ستأخذ المنطقة إلى تسويات كبيرة وصفقات حلول شاملة تسوّق فيها "إسرائيل" نفسها على أنها حققت صورة نصر حقيقي؟

قبل الخوض في قراءة المشهد وأهداف "إسرائيل" من هذه الاغتيالات، بات مؤكَّداً أن الجميع يستعد للحرب، وأن الساحات كلها ملتهبة في انتظار الإشارة، وأن جرائم اغتيال كهذه لن تمرّ مرور الكرام، والانتقام آتٍ لا محالة، قبل الحديث عن تسويات أو حلول سياسية. 

التجربة تقول إن "إسرائيل"، منذ أعوام، بعد فقدانها قوة الردع، بدّلت مفهوم النصر التقليدي لديها بالتعويض عبر سياسة الاغتيالات ضد قيادات عسكرية وسياسية في المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

"إسرائيل" تتصرف في المنطقة بهمجية عربدة بذريعة أنها تدافع عن بقائها، وتفسير هذا السلوك يشير إلى وصولها إلى نتيجة، مفادها أنها لا تستطيع تحقيق النصر وفق المفهوم التقليدي، مثل حسم معركة لمصلحتها، أو احتلال أرض بصورة دائمة، والمحافظة عليها. وبالتالي، فإن ما يجري، على رغم سخونة المشهد، هو نوع من أنواع إبدال مفهوم النصر التقليدي بتحقيق إنجازات في مسار اغتيال شخصيات سياسية أو عسكرية، من أجل تقديمه على أنه منجَز، إلى المجتمع الاسرائيلي.

تاريخياً، هذه الاغتيالات ازدادت وتيرتها منذ ثلاثين عاماً تجاه حركات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وفلسطينياً، منذ ثورة البراق إلى يومنا هذا. واللافت في هذه القضية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو تحول هذه السياسة من سياسة هامشية في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية إلى سياسة مركزية في التعامل معها، وبناء فكرة الانتصار في الوعي الاسرائيلي من جديد، بأسلوب جديد متباين عند الفشل في تحقيق أهداف أي حرب أو مواجهة، وهذا ما عمل عليه نتنياهو طوال المرحلة السابقة حتى لحظة تنفيذ الاغتيالين في الضاحية الجنوبية وطهران، هادفاً إلى تقديم صورة انتصار متراكمة من خلال هذه الاغتيالات تحظى بحالة احتفالية داخل "إسرائيل". وهذه الحالة يبحث عنها الجميع في "إسرائيل"، من أجل الشعور باستعادة الثقة بالمؤسسة العسكرية وبقدرة "إسرائيل" على استهداف قيادات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية في ظل العجز والفشل اللذين تكبدتهما منذ بداية طوفان الأقصى.

ماذا بعد هذه الاغتيالات؟ 

القائد إسماعيل هنية يُعَدّ القائد السياسي الرقم واحداً في حركة حماس، والقائد فؤاد شكر يُعَدّ الرجل الثاني في حزب الله، ودماؤهما إما ستكون مدخلاً لحرب إقليمية وإما لصفقة شاملة. والأيام المقبلة ستحسم إلى أين تسير الأمور، وهذا يأخذنا إلى سيناريوهين:

الأول: يذهب نتنياهو بعد هذه الاغتيالات إلى صفقة تبادل بالتنازل عن اشتراطاته، ويوحي إلى "الرأي العام" في "إسرائيل" في أنه مصمم على الاستمرار في تحقيق أهدافه، وأنه أنجز صورة نصر متراكمة على حماس عبر اغتياله اسماعيل هنية، رئيس مكتبها السياسي، ورمّم شيئاً من الردع المفقود مع حزب الله عبر اغتياله القائد العسكري فؤاد شكر، ويذهب إلى تسوية شاملة في المنطقة. وهي في الحقيقة صورة نصر مغلَّفة باغتيالات سياسية عسكرية، لا رصيد عسكري حقيقي لها على الأرض.

السيناريو الثاني: الذهاب إلى مزيد من الاغتيالات بحق قياديِّين فلسطينيين ولبنانيين، وخلط الأوراق، وتعقيد المشهد أكثر، وفق نتنياهو وشركائه، الذين يرون أن هناك فرصة مواتية لاستعادة شيء من الردع المفقود، وتوجيه ضربة أكبر إلى حزب الله وحماس، وربما يتعدى أكثر من ذلك عبر استهداف قيادات أخرى من فصائل فلسطينية.

ثمة سؤال يطرح نفسه أمام السيناريوهين: هل هذه الاغتيالات كافية لإقناع الشارع الإسرائيلي بهذه الإنجازات كصورة نصر؟

وفقاً للسيناريو الأول، سيحاول نتنياهو تسويق الاغتيالات السياسية والعسكرية التي حدثت، في مسارين متباينين، إذ إن المشهد في "إسرائيل" منقسم إلى نصفين، الأول هو "الشارع الإسرائيلي"، وستنطلي عليه هذه السردية لأنها، من وجهة نظره، استطاعت التأثير في القاعدة الشعبوية، وغيرت الصورة الذهنية التي رسمت عن هزيمة "إسرائيل" في السابع من أكتوبر. وهناك تفاعلات كبيرة داخل الكيان بعد الاغتيالات الأخيرة، تعتقد أن هذه هي صورة نصر كافية في شفاء غليلها. 

النصف الثاني هو المؤسستان الأمنية والعسكرية في "إسرائيل"، واللتان تدركان حقيقة الواقع من الناحيتين الاستخبارية والاستراتيجية في المنطقة، وخصوصاً في ظل وجود خلافات وتباينات بشأن قناعة هذه المؤسسة تجاه قضية الاغتيالات وأثرها، إذ ينظر البعض على أنها صورة انتقامية سياسية، ليس لها أي تأثير أو تداعيات بشأن واقع حركات المقاومة ومستقبلها في المنطقة. 

أما البعض الآخر فينظر إليها كخطوة ليس لها أي تداعيات استراتيجية، في المدى البعيد، على قدرة المقاومة على النهوض والاستمرار في حربها ضد "إسرائيل"، وأن هذه الاغتيالات هي من أجل الردع التكتيكي فقط، وهدفها تقديم صورة داعمة للحالة الانتقامية في "المجتمع الإسرائيلي". وهنا أساس الخلاف القائم بشأن قضية الاغتيالات في الدرجة الأولى.

تاريخياً، الكيان الإسرائيلي، على مدى خمسين عاماً، اغتال شخصيات فلسطينية متعددة. وحتى مع المقاومة الإسلامية في لبنان كذلك هو المشهد، لكن واقع التجربة أثبت أنها سياسة فاشلة بامتياز ولا تأثير لها، وأن حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية جديرة، وسرعان ما تولد قيادات جديدة تملأ الفراغ. ومجريات التاريخ تقول إن "إسرائيل" اغتالت من قبلُ قادة كُثُراً، كالشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي، واغتالت الرئيس ياسر عرفات، لكن المقاومة لم تتوقف، بل انتقلت إلى الأجيال، وازدادت قوتها، وقَوِيَ عودُها أكثر.

أما السيناريو الثاني بعد قيام "إسرائيل" بتنفيذ عمليتي اغتيال، في الليلة نفسها، بحق قياديَّين وازنين، سياسياً وعسكرياً، فلسطينياً ولبنانياً، فهو أنها تهدف إلى أن تبعث برسائل إلى كل البيئة الإقليمية، مفادها أنها مع مواجهة شاملة معها، وجاهزة لكل سيناريوهاتها.

"إسرائيل" استعرضت قوتها في تنفيذ الاغتيالات السياسية والعسكرية بحق القائدين هنية وشكر، ونتنياهو وضع المنطقة كلها على حافة الهاوية، وجعلها برمتها أمام تحول في المواجهة، بل وضع الجميع أمام تصعيد شامل ومفتوح، ويَعُدّها فرصة له في تحقيق مكاسب، لكنه نسي أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق إنجاز وانتصار على الأرض، بحيث إنه ما زال عاجزاً عن تحرير أسراه من غزة بعد 300 يوم من الحرب، ولا يستطيع، بل عاجز عن صد صواريخ حزب الله في الجبهة الشمالية، ومسيرات القوات اليمنية المسلحة التي ضربت عمق "تل أبيب" مؤخراً، كما هما حالتا العجز والفشل اللذين تَكَشّفا يوم ضربت حماس فرقة غزة، يوم السابع من أكتوبر، في طوفان الأقصى.

المنطقة أمام فصل جديد، فالمشهد بات أكثر وضوحاً بعد اغتيال القائدين هنية وشكر: إما أن تفرض الأحداث مواجهة شاملة، وإما أن تذهب الأوضاع إلى تسوية شاملة. وتبقى الحقيقة الثابتة بعد هذين الاغتيالين، السياسي والعسكري، أنه مهما بلغت عربدة "إسرائيل" في المنطقة فلا مستقبل لها، وأن الاحتلال الإسرائيلي مهما ارتكب من إجرام بحق الفلسطينيين فهو إلى زوال.