بينما لا تزال فرنسا تحاول إخماد حركة الاحتجاجات التي فجرتها "السترات الصفراء" تفجرت حركة احتجاجية أخرى تحت مسمى "السترات الزرقاء" لم تكن في حسبان الحكومة.
فقد أعلنت كبرى نقابات قوات الشرطة عن "يوم أربعاء أسود" تنديدا بظروف العمل الصعبة، وللمطالبة برفع رواتب أفرادها وصرف مستحقاتهم المالية عن ساعات العمل الإضافية.
وأطلقت النقابة على هذا الاحتجاج "السترات الزرقاء" لأن لون اللباس الرسمي للشرطة أزرق، وكذلك استلهاما للزخم الذي صاحب الاحتجاجات الشعبية المعروفة بالسترات الصفراء، والتي أجبرت الرئيس ماكرون على التراجع عن بعض القرارات التي سببت هذه الاحتجاجات.
ومن المقرر أن تخرج مساء اليوم الخميس في شارع الإيليزية مظاهرة حاشدة لأفراد قوات الأمن للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم. ويأتي ذلك تزامنا مع مناقشة مجلس النواب ميزانية قوات الشرطة للعام المقبل.
وسارعت حكومة إدوار فلييب إلى احتواء الأزمة من خلال استقبال ممثلي قوات الأمن على مدى اليومين الماضيين، وأعلنت صرف مكافأة مالية استثنائية للآلاف من عناصر الشرطة الذين تعاملوا على مدى خمسة أسابيع مع حركة الاحتجاجات التي تعرفها البلاد منذ منتصف الشهر الماضي.
وأكد وزير الداخلية كريستوف كاستانير أن الحكومة قررت صرف مكافأة مالية بقيمة ثلاثمئة يورو (360 دولارا) هذا الشهر سيستفيد منها 111 ألف شرطي.
وتطالب نقابات الشرطة الحكومة بصرف إجمالي مستحقات الساعات الإضافية التي راكمتها قوات الأمن منذ أشهر، ووصلت نحو 23 مليون ساعة عمل أي ما يعادل نحو 320 مليون دولار.
وكان كاستانير استقبل أمس ممثلي نقابات الشرطة، لكن المحادثات لم تثمر عن اتفاق يرضي الطرفين.
وفي وقت متأخر أمس توصلت الحكومة وممثلو نقابات الشرطة لاتفاق على رفع الرواتب بقيمة تتراوح بين 120 و150 يورو لقوات الشرطة وكبار الضباط. كما قررت الحكومة دفع إجمالي ساعات العمل الإضافية التي تطالب بها النقابات.
ورغم هذا الاتفاق لم تعلن النقابات ما إذا كانت ستوقف حراكها أم لا، خصوصا أن قوات الشرطة الداعية لمظاهرة اليوم أكدت أن الاحتجاج لا تدعمه النقابات أو أية جهة سياسية
وكانت النقابات قد اعتبرت أن التدابير الحكومية المعلنة غير كافية ولا تلبي المطالب الحقيقية لقوات الشرطة المتمثلة برفع الأجور 160 دولارا شهريا على الأقل، وتسديد مكافآت مالية عن ساعات العمل بالليل والمهام الخطرة، إضافة لتحسين ظروف العمل من خلال توفير العتاد الكافي وأجهزة متطورة تتناسب مع طبيعة المهام الخطرة التي يؤدونها، خصوصا أن البلاد عرفت عدة هجمات إرهابية دامية خلال السنوات الثلاث الماضية.
كما تطالب نقابات الشرطة بتوفير تغطية صحية جيدة تسمح لقوات الشرطة بالحصول على أيام راحة كافية، وزيارة أطباء نفسانيين بشكل دوري بسبب الإجهاد والضغط النفسي الذي يعانون منه.
يُذكر أن قوات الأمن شهدت موجة من حالات الانتحار في صفوفها، بلغت 71 عنصرا منذ بداية العام حسب أرقام رسمية فرنسية، الأمر الذي دفع البرلمان إلى تشكيل لجنة استقصاء للبحث عن أسباب هذه الظاهرة التي باتت تقلق الحكومة.
وكانت كبرى نقابات الشرطة "أليانس" أصدرت يوم أمس بيانا -تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أكدت فيه أن قوات الأمن باتت "منهكة ولم تعد تتحمل وتيرة وظروف العمل بعد شهر من الاحتجاجات والمواجهات العنيفة" مع المتظاهرين من حركة السترات الصفراء.
ودعت الشرطة إلى "يوم أربعاء أسود" من خلال الدخول في إضراب في كافة التراب الفرنسي عبر غلق أقسام الشرطة المحلية وتأدية المهام الطارئة فقط، في إطار الالتزام بالحد الأدنى للمهام الموكلة إليها.
وعرفت هذه الحركة الاحتجاجية استجابة واسعة لدى قوات الشرطة في كبرى المدن بينها باريس ليون وليل ومارسيليا وبوردو وتولوز، كما شهدت عدة مدن انسحاب قوات الشرطة من الطرقات وغلق مخافر الشرطة أمام المواطنين.
وفي السياق ذاته، شهد مطارشارخ ديغول الدولي (ثاني أكبر مطار بأوروبا) تباطؤا كبيرا في حركة المسافرين، بسبب مشاركة عناصر من شرطة المطار في الإضراب.
ولوّح لاغارش بأنه في حال لم تستجب الحكومة لمطالب الشرطة فإنه سيتم الإعلان عن إضراب ثان مطلع الشهر المقبل.برنامج عاجل
ودعا فريديرك لاغارش الأمين العام لنقابة "أليانس" إحدى كبرى نقابات الشرطة -في بيان وصل الجزيرة نت- الحكومة إلى إعلان برنامج عاجل لصالح الشرطة الوطنية، كما حذر أعضاء البرلمان من مغبة التصويت على الميزانية المخصصة لقوات الأمن العام المقبل، معتبرا إياها غير كافية.
يُشار إلى أن القانون الفرنسي يمنع على قوات الشرطة خوض إضراب عن العمل لكنه يسمح لهم بالتظاهر والاحتجاج خارج أوقات العمل، كما يسمح لهم بالتصويت بالانتخابات إضافة إلى حقهم في تكوين نقابات للدفاع عن حقوقهم.