د. ناجي صادق شراب
يبقى خيار الحرب هو الخيار الذي يحكم علاقة «إسرائيل» بحماس، وذلك لأكثر من سبب.
أولاً: أن قطاع غزة بمساحته الصغيرة جداً، يقع في منطقة الأمن الحيوي لدويلة الاحتلال، فهي منطقة جغرافية ملاصقة لمناطق كثافة سكانية يهودية، وعامل المسافة معدوم. وثانياً: الكثافة السكانية الكبيرة في غزة تشكل تهديداً مباشراً على «إسرائيل». وثالثاً: أن من يحكم ويسيطر على غزة هي حركة حماس التي تمتلك قدرات عسكرية كبيرة، ولها امتداداتها الإقليمية، إضافة إلى فكرها «العقدي» المناقض لوجود «إسرائيل»، وتمسكها بخيار المقاومة المسلحة الذي تستمد منه شرعيتها. ورابعاً: أي تطور في قدرات المقاومة يشكل بالنسبة ل«إسرائيل» تهديداً مباشراً.
لذا فالحرب تعتبر أحد أهم خيارات «إسرائيل»، وحركة حماس أيضاً، لكن المهم هنا ليس خيار الحرب؛ لأنها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي امتداد للسياسة، فإذا فشلت السياسة يلجأ الطرفان للحرب لخلق واقع سياسي جديد، يحقق أي منها أهدافه، أو يحسن من مواقفه. وعلى مدار حروب «إسرائيل» الثلاث مع غزة، يمكن القول إنها فشلت في خلق واقع سياسي مقبول لها، وكان البديل الانتقالي للحرب، هو فرض الحصار.
السؤال: ماذا تريد «إسرائيل» من حماس أو غزة؟ وماذا تريد حماس من «إسرائيل»؟ «إسرائيل» تريد التهدئة والأمن من غزة، وألاَّ تشكل تهديداً مباشراً لها.
وفي الحقيقة فإن «إسرائيل» لا تريد التخلص من «حماس» حتى وإن استطاعت؛ لأن البديل حالة من الفوضى والعنف بحكم وجود عدد من التنظيمات المتشددة تستطيع حماس ضبطها. «إسرائيل» قامت بالحرب ضد القطاع والهدف كان واضحاً، وهو ردع حماس وضرب بنيتها العسكرية، وفشلت في ذلك، كما لم تحقق أياً من أهدافها السياسية.
ومن مصلحة «إسرائيل» أن تبقى غزة هادئة؛ لأن أي انفجار شعبي ستكون «إسرائيل» أول من يتأثر به، وقد تواجه سيلاً من التدفق البشري، ولذلك تمارس «إسرائيل» سياسات الحصار بالتخفيف؛ أي عدم الوصول إلى حد الانفجار.
ومع ذلك فإن «إسرائيل» لم تسقط خيار الحرب التي سماها نتنياهو حرب الضرورة، بقوله أمام الكنيست في منتصف الشهر الفائت: «أفضّل حلاً لمنع حروب غير ضرورية»، لكنه أضاف: «إن «إسرائيل» لن تردد في القتال عند الضرورة»، وهذا يعنى أن الحرب ليست الخيار النهائي في التعامل مع غزة، الحرب لم تحقق أهدافها، ومع التسليم بتحقيق أهدافها المباشرة فقد يعني ذلك نقيضاً لأهدافها الإستراتيجية العليا إزاء غزة؛ إذ إن «إسرائيل» تدرك أنه لا يمكن أن تستأصل حركة حماس.
وبالنسبة لحركة حماس، لا يمكن تجاهل أن أحد أهدافها الاستراتيجية العليا، هو أن تحتفظ بكينونتها القوية في غزة، والتي قد تشكل نواة لحركة «الإخوان»، لكل من قطر وتركيا. وبناء على هذا الهدف، وصلت حماس لقناعة بأنها مجبرة على الحرب، وأن الهدف الرئيسي هو رفع الحصار، وفتح المعابر، وإيجاد حلول لمشاكلها من موظفين وخدمات، بما يحفظ بقاءها، وتدرك أن الحرب هذه المرة ستكون مكلفة، وثمنها السياسي أكبر، وأن كل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية لا تعمل لصالحها، والبديل للحرب هو مسيرات العودة التي تتحكم فيها وصولاً للتهدئة المطلوبة التي في حال تحققها سيكون موقفها أقوى، حتى في أية مفاوضات للمصالحة. وهذا الهدف هو الذي دفع للتوافق على تصريحات لقياداتها، بأن الحرب ليست خياراً لغزة، وهي خيار غير عقلاني.
هذا التلاقي في الأهداف هو الذي قد يوصل لتحقيق التهدئة المطلوبة التي إن تحققت، يمكن أن تستمر الحركة لسنوات طويلة من دون مصالحة، وهذا هو الوضع المثالي لها، انتظاراً لعامل الوقت الذي يمكن أن يلعب دوراً لصالح الحركة. عامل الوقت والرهان عليه يلعبان دوراً كبيراً في تفكير الحركة، وعليه فالتفاوض على تهدئة بالقوة التي تملكها أفضل من التفاوض بعد الحرب.
وفي الحالة الأولى قد تكون النتائج السياسية أفضل من الحالة الثانية غير مضمونة النتائج؛ لذلك تبقى الحرب خياراً غير عقلاني، لكن الضرورة قد تفرضه.