يونس السيد
يبدو أن اتفاق التهدئة في قطاع غزة وصل إلى مراحله النهائية، بعد أن دخل مرحلة الاختبار في الميدان، وتم «ضبط» مسيرات العودة التي انطلقت منذ الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، وإثبات «سلميّتها»، بانتظار إعادة تقييم الأطراف المنخرطة فيها قبل التوقيع النهائي وإخراج الاتفاق إلى حيز التنفيذ الفعلي.
بالنسبة للأطراف المنخرطة في عملية التهدئة، مر الاختبار الميداني بنجاح إلى حد كبير نسبياً، فلم يحدث الصدام المباشر بين مسيرة العودة يوم الجمعة الماضي وقوات الاحتلال، حيث توقف إشعال الإطارات المطاطية، وإطلاق البالونات الحارقة، وقص الشريط الحدودي للالتحام مع جنود الاحتلال، باستثناء مواجهات طفيفة، وإطلاق الغاز المسيل للدموع على «مخيمات العودة» البعيدة نسبياً عن الشريط، بعد أن قررت الفصائل الفلسطينية العمل على «تجريب» اتفاق التهدئة.
ولكن منذ متى كانت مسيرات العودة مسلحة، فهي في الأصل مسيرات سلمية، انطلقت لتأكيد حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم، وهي لم تلجأ إلى «العنف» إلا إذا كان يمكن اعتبار إشعال الإطارات والبالونات الحارقة عنفاً، رداً على نيران الاحتلال وجبروت آلته الحربية الهائلة براً وجواً وبحراً. وفي كل الأحوال لا يمكن المقارنة بين الجانبين، أو تجريد مسيرات العودة من سلميّتها، حتى لو استخدمت البالونات والإطارات أو التحمت مع جنود الاحتلال. ومع ذلك، فإن ما يقال عن نجاح الاختبار، واستمرار هذه المسيرات بشكلها الجديد تدريجياً حتى نهاية العام، وما يعتبره الجانب «الإسرائيلي» قدرة الفصائل على «الضبط والسيطرة» عندما تريد، يفترض أن يقابل، من جانب الاحتلال، بخطوات تدريجية، من أجل رفع الحصار المستمر منذ نحو 12 عاماً، ووضع قطاع غزة على شفا كارثة حقيقية على كل المستويات. ومن بين هذه الخطوات، فتح المعابر التجارية، وإدخال الوقود ومواد البناء وتلك اللازمة لمشاريع البنى التحتية، ودعم تشغيل محطة توليد الكهرباء بشكل دائم، وتوسيع رقعة الصيد إلى أن تصل إلى 14 ميلاً بحرياً، والسماح كما يتردد بإدخال دفعة أولى من خمسة آلاف عامل إلى فلسطين المحتلة عام 48، والسماح بحل مشكلة رواتب الموظفين في غزة، وغير ذلك من الخطوات الضرورية لرفع الحصار، قبل الحديث عن تفعيل صفقة «تبادل الأسرى»، وإقرار الهدنة التي لا تقل مدتها عن ثلاث سنوات، وفق ما يتردد، بمراقبة دولية وبرعاية أممية وروسية.
لكن، ومهما كانت درجة الحال الكارثية التي يعيشها قطاع غزة اقتصادياً واجتماعياً وصحياً، وعلى مستوى كل الجوانب الحياتية والإنسانية، فإن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع الاحتلال، من دون توافق فلسطيني، سيزيد من الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية، وسيؤدي لا محالة إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يعمل عليه الاحتلال؛ لإضعاف الفلسطينيين، والتمهيد لتصفية قضيتهم الوطنية، ما يقتضي العودة إلى تفعيل ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، باعتبار ذلك مصلحة وطنية عليا، من دون إعفاء السلطة الفلسطينية من مسؤوليتها في إتمام هذا الملف، ربما بقدر أكبر من سلطة «حماس» فقط، بسبب المأساة التي يعيشها قطاع غزة. وما عدا ذلك فلا أمل يرتجى، والفلسطينيون ذاهبون لتصفية قضيتهم بأنفسهم مع الأسف.