Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

في القدس...نعم فشلنا في تحقيق المناعة المجتمعية

بقلم: راسم عبيدات

يشن علينا الاحتلال حرباً شاملة في القدس،يجند لها كل إمكانياته وطاقاته ومستوياته وأجهزته...ويوظف بلديته ووزارة داخليته وأمنه الداخلي وشرطته وجمعياته التلمودية والتوراتية في تنفيذ المهام العملياتية المباشرة، من هدم منازل ومخالفات بناء وتكثيف للاستيطان والاستيلاء على العقارات والأراضي وملاحقات ضريبية باهظة، والقيام بكل أشكال القمع والتنكيل، وبما يستهدف المقدسيين في كل مناحي وشؤون حياتهم اليومية اقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن عمليات الاعتقال المستمرة، والإبعاد عن القدس والأقصى ....هي الحرب الشاملة المستعرة على المقدسيين، بشكل جنوني بعد قرارات ترامب الداعم للاحتلال بنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.

المحتل يريد أن يستثمر سياسياً الوضع الناشيء عن القرار الأمريكي، وأن يجردنا من أملاكنا ومقدساتنا، ويعمل على طردنا وتهجيرنا قسراً، ضمن سياسة تطهير عرقي، يوظف لها قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيوني لتنفيذها.

ولم يكتف الاحتلال بكل ذلك، بل يعمل على هدم وتفكيك نسيجنا المجتمعي وإغراقه في دوامة المشاكل الاجتماعية من " الطوش" والاحتراب القبلي والعشائري والجهوي، وتغذية الجريمة والعنف والتفكك الأسري، وبما يحول مجتمعنا المقدسي إلى وحدات أجتماعية مستقلة، وبما يقدم انتماءاتها العشائرية والقبلية على انتمائها الوطني، ويزيح كل المرجعيات المقدسية التي يتعامل معها المواطن المقدسي، لكي يثبت المرجعيات التي يعمل على صناعتها هو من بعض القوى العشائرية ومراكز وشرطه جماهيرية، ناهيك عن تدخله المباشر حتى في القضايا العشائرية.

إزاء كل هذا الواقع من المفترض، أن تعمل السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب والفصائل والمؤسسات الوطنية والمجتمعية... على تحصين المناعة المجتمعية للمجتمع المقدسي، وتحصين تلك المناعة يحتاج معاول بناء جدية وحقيقية، قادرة على القيام بواجبها ودورها ومسؤولياتها تجاه القدس وأهلها، ومستعدة لدفع الثمن في سبيل ذلك..فالتحصين الداخلي، عبر التوعية المستمرة في قضايا التمسك بالأرض والعرض والهوية والوطن والانتماء، وخلق نماذج إيجابية في التعاطي مع الجماهير المقدسية من قبل الحركة الوطنية ومؤسسات وأجهزة السلطة، وهذا يسهم في خلق حالة من الثقة والاطمئنان ما بين الجماهير وحواضنها من المؤسسات والقوى والسلطة، ولكن من بعد كارثة أوسلو وتراجع دور القوى والأحزاب بفعل عوامل الضعف والتفكك الداخلي، وشدة القمع الذي تتعرض له من قبل المحتل، والذي لم يترك لها أي فرصة لكي تعيد بناء ذاتها وأدواتها التنظيمية...وحالة التراخي تلك، مع عدم قيام السلطة بدورها وواجباتها ومسؤولياتها تجاه المقدسيين، وكذلك غياب الثقة من قبل المقدسيين بهذه السلطة، واعتقادهم بان أدواتها وأجهزتها العاملة في المدينة، جزء منها شكل ويشكل حواضن للمظاهر السلبية التي تشهدها وتسود المدينة، وهذا يترافق مع غياب الرأس القيادي الموحد والمرجعية الوطنية او حتى الشعبية الموحدة...كل ذلك انعكس على المجتمع المقدسي سلباً، وبات يشعر انه في حالة يتم وفقدان للأبوة، وخاصة في ظل هجمة وحرب شاملة يشنها المحتل عليه...حالة التراخي تلك، فعلت فعلها في نجاح المحتل في تسجيل نجاحات وإنجازات في عملية الاختراق في الوعي والثقافة والموقف....وعملية الاختراق تلك جعلت العديد من ضعاف النفوس والطحالب الضارة والمتجردة من قيم الانتماء الوطني والأخلاقي، في ظل انهيار لمنظومة القيم والأخلاق...أن تتمكن من القيام بعمليات تسريب وبيع بعض العقارات والأراضي، في قلب البلدة القديمة وفي سلوان والشيخ جراح.

ولعل الاحتلال كان يراهن في مثل هذه العمليات، ان تندفع الأمور نحو حالة من الإحتراب الداخلي، والتشكيك والتخوين، وضرب الروح المعنوية للمجتمع المقدسي، والسعي إلى تشريع ثقافة بيع الأراضي والعقارات للمحتل كأمر طبيعي. وهنا يجب ان نلفت النظر، انه ليس فقط هناك مافيات وشلل يتعاون ويتجند فيها أكثر من طرف للوصول إلى شرعنة عملية التسريب والبيع بما في ذلك بعض المحامين والمهندسين ورجال الأعمال،وهم قلة هامشية، وكذلك البعض من العاملين في دوائر الأراضي والطابو هنا وفي الأردن، والذين هم على معرفة تامة بملكية العقار وأصحابه، وأماكن وجودهم ومقدار حصصهم.

والشيء الأخطر، بأن الجمعيات التلمودية والتوراتية من "العاد" و"عطرات كوهونيم" أصبحت تلجأ إلى طريقة وأسلوب جديد في شراء عقارات وأراضي المقدسيين، باللجوء إلى عناوين وأسماء موثوقة، ولكن جشعة وطامعة وهمها المال، لكي تغري المقدسيون بالبيع والتسريب.

ولذلك لا بد من عملية تحصين وتوعية للمقدسيين في هذا الجانب، بعدم بيع أي عقار او أرض، دون موافقة الجهات الرسمية، وطرح الموضوع على المرجعيات المقدسية وطنية ودينية ...الخ.

نعم الحالة والروح المعنوية مستهدفة في القدس، من خلال عمليات البيع والتسريب للعقارات والأراضي، ودفع المقدسيين إلى حالة من فقدان الثقة، ليس فقط بالسلطة وأجهزتها وموظفيها، بل بكل ما هو وطني، ولذلك ما يسود الساحة المقدسية من حالة إرباك وضياع و" توهان"، هو نتاج لفشل القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية، في تحصين البنية المجتمعية المقدسية، وحماية وعيها من التشويه، وتصليب بنيتها الداخلية، لكي تصبح اكثر قدرة ووعياً على مجابهة المخططات والألاعيب التي ينفذ من خلالها إليهم مسربي العقارات والأراضي، فتارة يتسترون بالدين والورع والتقوى وأخرى بالحرص على وقف الأملاك المقدسية، ولكن لا يعني هذا بأن جزء كبير ممن يسربون ويبيعون عقاراتهم وأراضيهم، لديهم الاستعداد الذاتي، حيث تضعف نفسياتهم تحت إغراءات المال، أو هم مسقطين وطنياً ومجتمعيا وقيمياً.

على القوى الوطنية الفلسطينية والإسلامية في القدس خاصة ، وفي الوطن عامة، ان تقر بانها فشلت في تحصين المناعة المجتمعية في مدينة القدس، وما نشهده هو نتاج لضعفها وتراخيها وتراجع دورها اولاً، قبل الحديث عن السلطة، فالسلطة ضمن حسابات المقدسيين، هي في إطار حالة عدم الثقة والمتشككين بدورها...وما يعول عليه، ان لا تتخلى الحركة الوطنية عن دورها ومهامها لمرجعيات وعناوين يجري تصنيعها للقدس.