إياد أبو بكر لكم أن تتخيلوا كيف يرسم أبناء الأسير وزوجته ووالداه وأقرباؤه لحظات اللقاء بعد خروج ابنهم من الأسر واستنشاقه هواء الحرية، ثم بلمح البصر يأتيهم الخبر المشؤوم الناسف لكل تلك السيناريوهات الجميلة التي وضعوها ورسموها.
ولكم أيضاً أن تتخيلوا أسرة تركها ربها (رب الأسرة) مدة طويلة، وما اكتنفته من صعوبات عانتها الأسرة برمتها، ابتداء من الحالة الاجتماعية، مروراً بمشكلات أخرى تكبدتها الزوجة في تربية أبنائها، واضطرار أهل الزوج إلى متابعة شؤونها وشؤون أبنائها بدافع الشفقة أحياناً وبدافع المحافظة على السمعة أحياناً أخرى، وقد يعتري ذلك مضايقات جمة تؤثر في شعورها بالاستقلالية والاعتماد على النفس والشعور بعدم الثقة بينها وبينهم، بالإضافة إلى بغضها لحالة الشفقة التي تطول بحكم طول المرحلة. وما يزيد الامر تعقيداً أن تصرفاتها تصبح محسوبة عليها فتمتنع عن مشاركة الأهل والجيران والأصدقاء في كثير من المناسبات الاجتماعية.
وفي ظل هذه الحالة المأساوية تدخل الزوجة في حلقة مفرغة من المشكلات التي تطال أبناءها، فتضعف سيطرتها عليهم ثم تكثر مشاجراتهم مع بعضهم بعضاً ومع الآخرين، ثم تقل مشاركتهم في الأنشطة المجتمعية الكثيرة لقلة ارتباطهم بأصدقائهم، هذا إلى جانب المشكلات المدرسية الكثيرة التي تعترضهم، وتدني تحصليهم الدراسي.
وإذا ما تصورنا الحالة الاقتصادية لأسرة الأسير فحدّث ولا حرج؛ فبسبب انخفاض دخل الأسرة ورصد مبلغ من المال ليس بالقليل بغية زيارة الأسير ومكافآت المحامي، نجد أن هذا الدخل يستنزف، حينئذ تضعف قدرة الأسرة على تلبية الاحتياجات الأخرى، فتلجأ إلى الاقتراض أو ما شابه، وهذا بحد ذاته يعد عبئاً اقتصادياً جديداً عليها. هذا إذا ما افترضنا أن هذه الأسرة لا تعاني أياً من المشكلات الصحية والجسدية ولكن كيف لنا أن ننفي عنها تلك المشكلات ونحن نعلم أن حالة كهذه تؤثر في النفس والجسد، فتصبح-إلى جانب ذلك-أسيرة القلق والتوتر وكثرة التفكير، بالإضافة إلى الخوف من المستقبل المجهول وعظم المسؤولية والخوف من أطماع الآخرين، كل هذا من شأنه أن يؤدي إلى الإحباط واليأس والشعور بخيبة الأمل والعجز والشعور بالحزن والنقص وضعف الاطمئنان في الحياة وإليها.
إزاء كل ما تقدّم، يبقى الأمل ماثلاً أمام الأنظار، أمل اللقاء مرة أخرى، أمل الانطلاق إلى هذه الحياة من جديد، لتروى للقادم حكاية أسرة عنوانها حلاوة اللقاء بعد الفراق، والفرح بعد الحزن والشقاء.
ولكن الحكاية وئدت في مهد الأمل، فقد ترجل الفارس ورحل، وترك زوجته وأبناءه ووالديه وراءه دون وداع، فانهمرت دموعهم وأنًت صدورهم ودقت مسامع من حولهم، وظل عزاؤهم الوحيد أن ارتفعت روحه إلى عليين، عند الشهداء، ليلتقيهم هناك في جنات ونهر في مقعد صدق ٍعند مليك مقتدر.