بقلم : نبيل سالم
إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ليس غريباً على الإدارة الأمريكية، بل الإدارات المتعاقبة، التي وقفت إلى جانب إسرائيل على الدوام، ومع أن هذا القرار لن يكون الأخير في سلسلة القرارات المعادية للمشروع الوطني الفلسطيني، إلا أنه يقدم دليلاً جديداً على الوضع المتردي الذي تمر به القضية الفلسطينية، على مدى أكثر من ربع قرن من المفاوضات.
والحقيقة أن القضية الفلسطينية تمر في هذا الوقت بمرحلة دقيقة تحمل الكثير من التوقعات، لاسيما وأنها رغم عدالتها، وحجم الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، ومشروعية نضاله،إلا أن الوضع يمر في الواقع بحالة من الارتباك الشديد والمزدوج على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي أيضاً، خاصة في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والصراعات المتنقلة هنا وهناك، في أكثر من بلد عربي، وهو وضع أضعف الموقف العربي على ضعفه، وساعد في تهيئة الظروف لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، للذهاب بعيداً في عدائها للمصالح الوطنية الفلسطينية، واتخاذ قرارات لم يستطع العرب مواجهتها في ظل ظروفهم الحالية.
وقد شجع ذلك الجماعة العسكرية الحاكمة في إسرائيل على الإمعان في رفضها الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، بل وزيادة اعتداءاتها، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، مستغلة حالة الانقسام، التي ما زالت تعرقل مسيرة العمل الوطني الفلسطيني، حيث يسود تمزق داخلي وانقسام وخلافات ونزاعات واختلال شديد في الجبهة الداخلية الفلسطينية، وما يزيد من خطورته التمسك بمفاوضات أثبتت عقمها وعبثيتها، وأنها لم تكن سوى فخ نصب للمقاومة للتخلي عن البندقية لصالح ما سمي «مسيرة السلام بين العرب والإسرائيليين».
الحقيقة أن الوضع العربي المتردي وغياب المجتمع الدولي أو صمته، شجع الإدارة الأمريكية على الذهاب بعيداً في معاداتها للمصالح الفلسطينية واتخاذها القرارات المؤيدة لإسرائيل، والتي تضر بالمشروع الوطني الفلسطيني، وحتى مسيرة التسوية، التي تزعم واشنطن حرصها على استمرارها، ومن بينها القرار الأمريكي بقطع الدعم عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وقبله قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف وغيرها من القرارات، وصولاً إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بحجة أن السماح للمنظمة بفتح مكتب كان من أجل قيامه بالعمل من أجل السلام، وأن المنظمة لم تتخذ خطوات باتجاه إطلاق مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، حسب رأي واشنطن.
والحقيقة أن قرار إغلاق مكتب المنظمة، ومحاولات شطب قضية القدس من المفاوضات ومحاولات الالتفاف على حق العودة، وإسقاطه، ووقف تمويل «أونروا»، كلها تصب في خانة واحدة، تتمثل في زيادة الضغط على الفلسطينيين، لإرغامهم على تقديم مزيد من التنازلات، لكن ما يجب التذكير به هو أن كل حالات الإحباط التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وفشل الرهان على التسوية السلمية مع إسرائيل لن تدفعه إلى الاستسلام، إلا أنها بالتأكيد قد تمهد لانفجار كبير في الأراضي الفلسطينية، وهو أمر حذرت منه الكثير من الجهات الدولية، ولاسيما الأمم المتحدة التي أكدت على لسان مبعوثها إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف أن غزة على شفا حرب، وأن التوتر يتزايد في الضفة الغربية المحتلة بشأن قرية الخان الأحمر، التي تريد إسرائيل هدمها.
وأمام هذا الواقع المرير يبدو حرياً بالقوى السياسية في الساحة الفلسطينية، أن تسعى بشكل جدي إلى إنهاء ملف الانقسام، لتعزيز موقفها أمام الضغوط الأمريكية وغيرها، وإعادة النظر بكل ما أفرزته عملية المفاوضات، وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، وتصحيح مسارها نحو الهدف الذي أقيمت من أجله، وهو تحرير الوطن السليب، وإلا فإن الخضوع للضغوط الأمريكية وتقديم المزيد من تنازلات سياسية مجانية سوف يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الإمعان أكثر في تحدي المجتمع الدولي ومحاولتهما فرض شروطهما على الشعب الفلسطيني، وحل قضيته، بحسب المقاسات والمصالح الإسرائيلية.