Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

«الجنائية الدولية» وإسرائيل

images.jpg

د. أسعد عبد الرحمن

لماذا «رفضت» منظمة التحرير الفلسطينية التوقيع على ميثاق «المحكمة الجنائية الدولية»؟ ولماذا عادت فمهرته بتوقيعها؟ وما «سر» الموقف الحالي للإدارة الأميركية برئاسة ترامب من هذه «المحكمة»، وخصوصاً بما يتصل بالقضية الفلسطينية وبالمواقف الجديدة لمنظمة التحرير؟

عندما قدمت السلطة الفلسطينية ملفاً كاملاً إلى «المحكمة» يتضمن جرائم إسرائيل أثناء عدوانها على قطاع غزة عام 2008، تم رفض الملف بدعوى أن فلسطين تفتقر لصفة «الدولة». وبما أن فلسطين تغير وضعها من «كيان» مراقب إلى «دولة غير عضو»، وقيامها بالتوقيع على 15 اتفاقية دولية، فقد تزايدت المطالب بضرورة الإسراع في التوقيع على «ميثاق روما» كنقطة انطلاق للانضمام لهذه المحكمة الدولية. وفي 22 مايو 2018، قدّم وزير الخارجية الفلسطيني ما يطلق عليه طلب «إحالة» يعطي المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية (فاتو بنسودا) سنداً قانونياً لتجاوز حدود التحقيق الأولي الذي بدأه مكتبها في يناير 2015. وطالبت الإحالة -التي سلمها الوزير الفلسطيني للمدعية العامة عملاً بالمادة 45 من نظام المحكمة- بفتح تحقيق فوري بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وذلك اعتباراً من 13 يونيو 2014. وقد شمل ملف الإحالة الفلسطيني قائمة بقيادات إسرائيلية، على المستويين السياسي والعسكري، يتعين على «المحكمة الجنائية» ملاحقتهم بسبب الجرائم التي اقترفوها بحق الشعب الفلسطيني، أبرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

بعد هذه الخطوة الفلسطينية، ردت المدعية العامة في بيان خاص بأن «الإحالة لا تؤدي تلقائياً إلى فتح تحقيق»، لكنها استدركت قائلة: «ينبغي ألا يكون هناك شك في أنني في القضية الحالية، وفي أي قضية معروضة أمام مكتبي، سأتخذ دوماً القرار الذي يكفله التفويض الممنوح لي». ورغم أن الإحالة لا تؤدي تلقائياً إلى فتح تحقيق بموجب المادة 12 من قانون المحكمة، فإنه إذا قررت المدعية أن الحالة المحالة إليها تُبرر إجراء تحقيق وفقاً للمعايير الواردة في النظام الأساسي، فإنه في هذه الحالة لا يتطلب النظام الأساسي أن تطلب الإذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة من أجل الشروع في التحقيق. وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية قد توعدت في أبريل 2018 بمحاكمة مرتكبي الفظائع ضد السكان في قطاع غزة، وحذّرت من أن العنف ضد المدنيين يمكن أن يشكل جرائمَ بموجب اتفاقية روما.

أما التهديد الأميركي للسلطة الفلسطينية، إن هي توجهت للمحكمة لمعاقبة إسرائيل، فهو دليل على أنها كانت تسعى للتغطية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي حمايةً لدولته. ولقد بدأت التهديدات الأميركية التي لا تخرج عن كونها وسيلة ضغط ومحاولة لحماية إسرائيل من جرائمها ضد الشعب الفلسطيني بعد تقديم فلسطين الإحالة إلى المحكمة. بل رأينا كيف أن الإدارة الأميركية تسلك طريقاً مغايراً لكل السياسات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية. فتهديدات مستشار البيت الأبيض للأمن القومي (جون بولتون) لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، بالإضافة للقرارات السابقة من تقليص ثم قطع للمساعدات عن الفلسطينيين، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ومحاولات شطب «الأونروا».. كلها إجراءات تؤكد الانحياز بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي.

نحن لا نتهم أحداً إن قلنا إن هناك تلكؤاً من مكتب الادعاء بالجنائية الدولية في فتح تحقيق ضد الإسرائيليين، ذلك أن فتح تحقيق من المحكمة بحق جنرالات إسرائيليين، يعني إصدار مذكرات توقيف لهم، وملاحقاتهم جنائياً، ومنع دخولهم لجميع الدول المصادقة على اتفاقية روما وعددها اليوم 130 دولة، ومنها معظم الدول الأوروبية. ومنذ إنشاء المحكمة، تلتزم الدول الأوروبية دوماً بقراراتها، سواء من خلال عدم استقبال أشخاص مطلوبين، أو توقيفهم حال دخولهم إليها. وفي ضوء كل ما سبق، تقف «الجنائية الدولية»، كغيرها من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، عاجزةً أمام الهيمنة الأميركية الدولية، وتخشى من التعامل مع جرائم إسرائيل بجدية، وكأني بالمحكمة لا توجه تهمة ارتكاب الجرم للدول القوية وتستخدم سلطتها فقط ضد الدول الضعيفة. ومن الأمثلة على طريقة تعامل الولايات المتحدة مع المحكمة قضية نيكاراغوا في عام 1986 عندما رفعت الأخيرة قضية ضد الولايات المتحدة، واتهمتها بانتهاك القانون الدولي وتسليح المعارضة ما أدى لمقتل 75 ألف شخص، لكن الولايات المتحدة رفضت في حينها الادعاءات النيكاراغوية، وبررت أفعالها بالقول إنها «في حالة دفاع عن النفس»، وإن قرارات المحكمة الدولية غير ملزمة لها.

ويبقى السؤال: هل تفتح «الجنائية الدولية» تحقيقاً حول جرائم إسرائيل؟ منذ يناير 2016، ورغم الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، ما زالت «الجنائية الدولية» تدرس احتمال فتح تحقيق مبدئي في جرائم الحرب الإسرائيلية، ولم تنتقل بعد إلى الخطوة التالية، وهي فتح تحقيق شامل ربما يقود إلى توجيه اتهامات. فبحسب التصريحات المتتالية من مسؤولين في «المحكمة»: «ليست هناك مهلة، نحن نعمل بجد على هذا الملف وفى الوقت المناسب، عندما تتوافر كل الشروط، ونكون قد أنهينا كل التقييمات، عندها سيتم اتخاذ القرار وذلك نظراً لوفرة المعلومات وحجم العمل لتحليلها، إنه أحد الملفات التي يعمل عليها أكبر عدد من المتعاونين». أما بنسودا فقالت مؤخراً: «الحالة في فلسطين تخضع منذ 16 يناير 2015 لدراسة أولية للتأكد من استيفاء معايير الشروع في التحقيق. وقد أحرزت هذه الدراسة الأولية تقدماً كبيراً وستواصل اتباع مسارها الطبيعي».