Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

"إسرائيل" والمقاومة: نصرٌ مستحيل وهزيمة ممنوعة

القططي.jpg

بقلم د. وليد القططي

جولة التصعيد الدموي الأخيرة للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني عامة، وعلى قطاع غزة خاصة انتهت على الأرجح، وأخذت معها أرواح طفلين بريئين؛ ليلتحقا بقافلة الشهداء المتواصلة التي لا تمضي سُدى مُعجلّةً بمضي الطغيان، وقُرب نهاية دولة بيت العنكبوت الواهن. ولكن الصراع المستمر بين الحق والباطل لم ينتهِ بعد: حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وعودته إلى وطنه، وباطل الصهاينة في امتلاك أرض فلسطين والهيكل المزعوم.

رغم فداحة الثمن الذي دفعناه، ولا زلنا ندفعه من أرواح ودماء أبنائنا، آخرهم الشهيدين الطفلين: (أمير النمرة، ولؤي كحيل)، ومن حياة ومستقبل شبابنا وشاباتنا فلا خيار آخر أمامنا؛ لأن البديل المتمثل بعدم الرد على العدوان وفق معادلة: "القصف بالقصف" سيكون ثمنه أكبر بكثير، أقلها: تغيير قواعد الاشتباك لصالح العدو، واستباحة غزة، وتكرار عدوانه متى وأينما شاء. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى موضوع أكثر أهمية، وأبعد عُمقاً، بترسيخ قاعدة لم تستطع "إسرائيل" كسرها منذ عقود من الزمن أصبحت فيها عاجزة عن تحقيق النصر، في المقابل المقاومة مُصرّة على منع الهزيمة.

لم تُحقّق "إسرائيل" نصراً واضحاً وحاسماً على العرب بعد حروبها الذهبية الثلاثة الأولى: (المعروفة بالنكبة، والعدوان الثلاثي، والنكسة بين عامي 1948 – 1967 ) التي رسّخت وجود وحدود دولة العدوان؛ لتكون أول صدماتها في حرب أكتوبر 1973 باستحالة تحقيق النصر على العرب عسكرياً، ولتبدأ مرحلة النصر المستحيل في حروبها مع المقاومتين: الفلسطينية، واللبنانية ابتداءً من حرب غزو لبنان 1982 التي انتهت عملياً بخروج الجيش الإسرائيلي من لبنان مُكرهاً، وبدون شروط مسبقة، أو معاهدة سلام تفرض إرادة العدو عام 2000م، ثم هزيمة مرة أخرى في حرب لبنان الثانية عام 2006م. وفي فلسطين كانت انتفاضة الحجارة عام 1987م مؤشراً على انتقال الصراع داخل فلسطين، وعجز العدو على حسمه عسكرياً، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000م، وتفكيك المشروع الاستيطاني في غزة، وانسحاب جيش الاحتلال منها تحت ضغط المقاومة عام 2005، ثم عجزه عن تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية في حروبه العدوانية الثلاثة التي شنتها على غزة منذ عام 2008م؛ لتترسخ قاعدة النصر المستحيل للعدو على المقاومة.

نصر "إسرائيل" المستحيل على الشعب والمقاومة نابع من تراكم نضالي متواصل وعنيد جسدته المقاومة واقعاً على الأرض في كُلِّ من: لبنان، وفلسطين،- رغم فارق القوة العسكرية التدميرية الكبير بين الطرفين لصالح العدو-، ونابعٌ من طبيعة وإستراتيجية حرب العصابات التي تتبعها المقاومة والتي لا يُقاس فيها النصر باحتلال الأرض، وحجم الخسائر البشرية والمادية التي يلحقها العدو بالشعب والمقاومة... بل يُقاس بقدرة الشعب على الصمود، وقدرة المقاومة على القتال والمحافظة على إرادة النصر والتحرير، ومواصلة النضال؛ لجعل الاحتلال باهظ الثمن، ووضع دولة الكيان في مأزق أمني ووجودي يؤدي به في نهاية المطاف إلى الزوال الحتمي بعد اكتمال حلقات التدمير الذاتي الداخلي مع حلقات التدمير الموضوعي الخارجي مصداقاً لقوله تعالي:" يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ". فإصرار المقاومة على التمسك بحقوق الشعب، وتحقيق النصر، وإنجاز مشروع التحرير مهما كان حجم الثمن باهظاً هو السر في استحالة تحقيق العدو للنصر على الشعب المقاوم.

اذا كانت دولة العدوان والاحتلال تحلمُ بنصرٍ مستحيل على المقاومة، ويعيش قادتها وهماً خادعاً بإمكانية إخضاع شعب المقاومة لإرادتهم؛ فإن المقاومة وقيادتها العسكرية والسياسية مصرون على منع الهزيمة التي يسعى العدو لإلحاقها بالمقاومة، بل وتحقيق النصر عليه، فرغم كُلفة الرد على العدوان المرتفعة واحتمال تدحرج التصعيد إلى حرب تحمل في جعبتها المزيد من المعاناةُ المُضافة على معاناة الحصار والعقوبات، إلا أن المقاومة تدرك من المنظور الاستراتيجي أن عدم الرد يعني استباحة غزة، وتكرار يومي للعدوان، وتلاشي قواعد الاشتباك الحالية وصولاً إلى الهزيمة والاستسلام، الأمر الذي لا يمكن قبوله من الشعب ومقاومته الباسلة.

خلاصة الأمر: إن سعي دولة الاحتلال والعدوان "إسرائيل" إلى نصرٍ مستحيل على الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لا يمكن تحقيقه، والمقاومة تصر بعناد بطولي على منع الهزيمة التي يُحاول العدو إلحاقها بها، بل وتجاوز ذلك إلى السعي نحو تحقيق النصر الذي يحتاج بدوره إلى إحياء المشروع الوطني الفلسطيني المرتكز على: التحرير، والعودة، والمستند على الصمود والمقاومة،- صمود الشعب فوق أرضه فلسطين، ومواصلة المقاومة الشاملة بكافة أشكالها حتى النصر بإذن الله-.