بقلم: عامر خليل
العقوبات التي فرضتها حكومة الاحتلال على قطاع غزة بمنع الاستيراد والتصدير من معبر كرم أبو سالم والاقتصار على إدخال المواد الأساسية يعكس حالة الإرباك واليأس التي تسكن المستوى السياسي والامنى الإسرائيلي أمام استمرار مسيرات العودة وما أفرزته من واقع جديد من المواجهة مع الاحتلال بأدوات بسيطة فالاحتشاد الجماهيري الأسبوعي على حدود الـ 48 مع غزة والطائرات الورقية وضعته أمام مسئولياته التي يحاول التهرب منها في حصار غزة وإبقاء شكل آخر من الاحتلال عبر سيطرته على بر وبحر وأجواء غزة فهو اعتقد انه يمكن الاستمرار في هذه السياسية إلى ما لا نهاية ليضع الاشتباك الشعبي مع الاحتلال حدا لهذه الأوهام.
الخطوة الإسرائيلية سيكون لها تداعياتها الخطيرة بمضاعفة الضغط على غزة واقتصادها في محاولة إسرائيلية مكشوفة لتحقيق ما عجزت عنه عبر عشر سنوات من الحصار فقد مر بقطاع غزة بمحطات وأشكال مختلفة من هذا الحصار ولكنها فشلت في الوصول إلى غاياتها بما في ذلك ثلاثة اعتداءات إسرائيلية واسعة ورغم الدمار الواسع الذي أحدثته فإنها لم تستطع ان تؤلب الناس كما خططت ضد المقاومة بل النتائج كان معاكسة بالتصاق الجماهير بشكل اكبر بها ومن هنا فان مصير الخطوة الجديدة هو الفشل .
بتصعيد الحصار وإغلاق المعابر أمام الاستيراد والتصدير تنكشف حقيقة الاحتلال أمام العالم ومسئوليته عن تدهور الأوضاع الإنسانية وزيف الدعاية الإسرائيلية التي تحاول إلقاء عبء التدهور على المقاومة وتحميل الفلسطينيين المسئولية فالمجتمع الدولي يتبين له بوضوح ان الاحتلال يحكم إغلاقه على غزة بتحكمه بالمعابر ومنع كل سبل النهوض باقتصادها والإجراء الإسرائيلي بتشديد الإغلاق تعبر عن جهد إسرائيلي يحاول مجددا الضغط على المقاومة كي توقف مسيرات العودة وما خلقته من حالة سياسية أبرزت المسئولية الإسرائيلية عما يحدث بغزة وهي لن تمنع في النهاية إطلاق الطائرات الورقية أو تفرض وقف المسيرات.
أيضا فان الخطوة الإسرائيلية الجديدة بتشديد الحصار يفضح حقيقة ما يطرح من خطط تحت العنوان الإنساني فهي تأتي بلا رصيد جدي ودون مضمون وما يتسرب من خطوات إسرائيلية عن تخفيف أو العمل في تجاه الدفع والموافقة على مشاريع اقتصادية هو ذر للرماد في العيون ثم تأتي الاشتراطات الأخرى الخاصة بالأسرى لدى المقاومة لتؤكد ان ما يروج عن مشاريع يقتصر على الكلام ولا يرتقي إلى مستوى التنفيذ أو التوجه الحقيقي لرفع الحصار عن قطاع غزة.
لاشك ان الاحتلال يتخبط في سياساته نحو غزة ويعمل على إدامة الوضع الحالي من الحصار الخانق وينعكس ذلك في التجاذب بين المستوى السياسي والأمني فالأول يدفع في اتجاه التصعيد فيما الثاني يوازن مواقفه وتبعاتها وواضح ان حالة الجدال في مجتمع المستوطنين في ظل استمرار مسيرات العودة وما أحدثته من حالة خوف وتهديد لاقتصادهم وأمنهم بحرق آلاف الدونمات من الغابات الأمنية التي تشكل غطاء يحجب رؤية المستوطنات القريبة من غزة قد فرضت على اليمين الإسرائيلي التعاطي بطريقة أخرى مع مسيرات العودة والطائرات الورقية وهو ما يفسر القرارات المتأخرة لنتنياهو وليبرمان بشأن منع الاستيراد والتصدير وكل ذلك يشير إلى ان مجتمع المستوطنين اخذ يتلمس نتائج سياسة الخنق والحصار المفروض على غزة، ومن هنا فان الأريحية التي تتعامل بها حكومة الاحتلال مع غزة في ظل صمت عربي ودولي لم تعد قائمة والحراك الذي يسير في اتجاه غزة رغم أهدافه الخبيثة في توفير الأمن للاحتلال ومنع مسيرات العودة يؤكد ذلك.
لا يخفى أن الخطوة الإسرائيلية أهدافا أخرى هي محاولة نقل مسئولية الاحتلال عما ألت إليه غزة من أوضاع صعبة إلى مصر من خلال تحويل نقل البضائع إلى مصر، ويشير إلى ذلك أيضا ان بعض المشاريع التي جرى الحديث عنها في الأسابيع الماضية ارتبط تنفيذها بمصر سواء فيما يتعلق بمحطة الطاقة الشمسية أو المناطق التجارية التي طرح أنها ستقام في سيناء وحتى الميناء أو المطار فجرى الحديث عن تحويل ميناء العريش ومطارها كبديل عن ميناء ومطار في غزة، ولا يستعبد ان تكون هذه الخطوة بالون اختبار في هذا الاتجاه وهو ما يجب الحذر منه.
الخطوة الإسرائيلية يمكن الجزم أنها لن تحقق أهدافها بأي حال وقد شهدت غزة خطوات أصعب في الحصار ولم تتراجع وهي كما عبر احد المحللين الإسرائيليين هدف ذاتي يسجله نتنياهو في مرماه جعل كل العالم يسلط مزيدا من الأضواء على غزة والدعوات التي صدرت للتراجع عن هذه الخطوة تدلل على ذلك الأمر ما يفضح الاحتلال وسياساته الإجرامية اتجاه غزة وفي سياق الصراع فان الشعب الفلسطيني يسجل نقاطا مهمة أمام الاحتلال ويبرز قضيته ومعاناته ويؤكد ان البعد الإنساني حاضر ولكن لا يمكن فصله عن البعد السياسي المتمثل في استمرار الاحتلال ووجوب إنهائه.