عاطف الغمري
تعددت في السنوات القليلة الماضية المناقشات تتناول مفهوم «النظام العالمي»، وهل يبقى على حاله الذي اعتاده العالم طوال عقود طويلة ماضية، وأنه مهيأ للتغيير بشكل جديد ومختلف؟... وتضمنت التساؤلات المطروحة سؤالاً، عما إذا كانت القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة ما زالت تملك القدرة على فرض استمرارية النظام العالمي بأنماطه القديمة، أم إن التحولات في العالم دولياً وإقليمياً، تحدّ من قدرات القوى التقليدية سواء بناء على رغبتها أو رغماً عنها، على فرض استمرارية النظام الدولي القائم والقديم.
ربما يكون هنرى كيسنجر في كتابه «النظام العالمي» world Order، قد استحوذ على الاهتمام، لما حمله من أفكار تحاول تخطي حدود الواقع الراهن، إلى آفاق المستقبل. وإن كانت قد تتابعت من ورائه مؤلفات تتجاوز ما عرضه كيسنجر من أفكار.
كيسنجر حاول في كتابه، أن يقدم خبرته كدارس أكاديمي، ثم كسياسي محترف، شغل منصب وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي، لاثنين من الرؤساء - نيكسون و جيرالد فورد - وأيضاً طوافه بالعالم، والتقائه بزعماء العالم.
وهو في كتابه يركز اهتمامه على أمريكا وأوربا، وأيضاً يتطرق إلى الصين والهند وروسيا، والشرق الأوسط. ويقترب أحياناً من ظواهر حديثة أسماها اللانظام الدولي وليد الفوضى من ناحية، والتفاهم الدولي من ناحية أخرى.
ولا ننسى أن كيسنجر وهو من أنصار ما يسمى في الولايات المتحدة بالواقعية، وهي مدرسة تؤمن بسيادة أمريكا على العالم، لكن بمشاركة آخرين، وباستخدام وسائل القوة الناعمة لدى الولايات المتحدة. وإن كان قد سبق له أن مدّ بصره إلى المستقبل، وقال إن توقعاته ترى أن النظام الدولي القادم سوف يقوم على تعددية القوى على قمة هذا النظام، وأن أمريكا ستكون واحدة ضمن مجموعة قوى تدير النظام الجديد، معترفاً بأن النظام العالمي الراهن قد صاغته أوروبا، وعززت من قوته الولايات المتحدة من أجل مصالحهما.
ويبني كيسنجر رؤيته على قابلية أي نظام دولي للتواؤم مع ما جرى من تحولات في مواقع وإمكانات القوى الصاعدة في العالم، ومشيراً كذلك إلى أن تجربة أمريكا في العراق قيدت من حدود قدرة الولايات المتحدة على استمرارية فرض النظام الدولي بما يستجيب فقط لأهدافها.
في المقابل كان كتاب «إعادة التفكير في النظام العالمي الجديد»، للبروفسور جورج سورنسون، قاطعاً في القول بأن مشروعية النظام العالمي الذي يقوده الغرب، قد تراجعت في السنوات الأخيرة. وأن أي نظام عالمي جديد ينبغي أن يعتمد على مفهوم المشروعية، بما يعني تشارك أكثر من دولة في السياسات العالمية، وبمساحة لإسهامها تتسع، بالنظر إلى أن العالم ينتقل بالفعل من نظام إلى آخر.
سورنسون يطرح في كتابه تساؤلات عن طبيعة النظامين القديم والجديد، على ضوء حالة عدم اليقين تجاه ما هو متوقع من أحداث في العالم، وما أسماه هشاشة بعض الدول. وهو ما يعنى أوضاع الفوضى التي سادت عدة دول في الشرق الأوسط، والتي استغلتها منظمات الإرهاب لتوسيع وجودها ونشاطها.
ويقول: نحن ندخل مرحلة جديدة، وحيث صار النظام الذي أقامته أمريكا ودول حلف الأطلسي محل تساؤلات عديدة.
سورنسون يحدد ثلاثة محاور لبنية النظام الجديد وهى - الظروف الداخلية - والظروف الدولية - والتوزيع العالمي للقوة خاصة فيما يتعلق بالقفزة الاقتصادية والإستراتيجية للصين، وصعود دول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية. وبالتالي يلزم أن يقوم النظام الجديد على تفهم لمنظومة التوزيع العالمي للقوى الدولية. وأن القوة وحدها بمعناها التقليدي لم تعد وسيلة للمحافظة على النظام العالمي، لأن قوة الدولة وحدها لا تكفي إذا لم تكتمل بالمصداقية، والإدارة، لكي يمكن لها قيادة النظام العالمي، ومن ثم لنا أن نتوقع أنماطاً مختلفة لطبيعة النظام العالمي الجديد.
يشير سورنسون إلى ظاهر التفاوت بين الثراء الفاحش لدى قوى غربية، والفقر المدقع في دول في العالم الثالث، في إطار النظام العالمي الذي حرصت فيه الدول التي أقامته على المحافظة على تميزها اقتصادياً وتجارياً. وينصح المؤلف بتخلي الدول المسيطرة، خاصة أننا دخلنا عصراً صارت فيه التحديات الزمنية تطول الجميع وتدق أبوابها دون استثناء. وأن عالم اليوم في أمسّ الحاجة للتبادلية في المصالح، وإلى نبذ أفكار حتمية الحروب، حتى لو كانت لها نتائج اقتصادية لمصالح بعض القوى الكبرى.