مفتاح شعيب
صدمت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» مجدداً الشعب الفلسطيني وأهانته بإطلاق سراح جندي قتل فلسطينياً جريحاً هو الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل، إذ لم يمض على الجندي القاتل ايلور عزريا إلا تسعة أشهر في سجن صوري، بينما كانت جريمته البشعة التي ارتكبها في مارس 2016 تستحق ملاحقة دولية كجريمة حرب ارتكبها «جيش» يدعي أنه نظامي.
مشهد قتل الشهيد الشريف مازال عالقاً في الأذهان، ويذكر بعشرات مشاهد قتل الفلسطينيين على مدار عقود الصراع. وعندما يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «أنه سعيد بالإفراج»، فهو يؤكد أن ما يقوم به جيشه هو إرهاب دولة منظم، كما يؤكد أن استباحة دماء الفلسطينيين سياسة رسمية، ومبعث للتباهي والتمجيد لدى قادة الاحتلال الذين يتفاخرون بحماية القتلة، وهو توجه يجعل من استهداف الفلسطينيين وإعدام بعضهم في الشوارع «ثقافة» تسعى «إسرائيل» إلى تسويقها بين جنودها ومستوطنيها، على الرغم من أنها سياسة تتحدى القانون الدولي وتتجاهل المبادئ الإنسانية.
لو قامت حكومة أخرى بإطلاق جندي قاتل من سجنه، لقامت الدنيا ولم تقعد، خصوصاً إذا كان في دولة لا تحظى بحماية الغرب، ولربما انعقد مجلس الأمن على الفور وغصت وسائل الإعلام ببيانات الشجب والتنديد، ولكن عندما تقوم «إسرائيل» بهذا الفعل الشائن يصوم أغلب المجتمع الدولي عن البوح بالاستنكار أو الإدانة، وهي مفارقة تجعل من الثقة في النظام العالمي معدومة، وتدفع الشعوب المضطهدة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، إلى اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية حقوقها والثأر لدماء أبنائها وفدائييها. وإذا كان الاحتلال يتوهم أنه بهذا الفعل سيثبط عزائم الفلسطينيين، فهو واهم بدليل مسيرات العودة المستمرة، رغم عدد الشهداء الذين سقطوا وآلاف المصابين بالرصاص الحي على حدود قطاع غزة.
إفراج الاحتلال عن القاتل ايلور عزريا، ليس بريئا في سياقه السياسي، فهو يأتي قبيل أيام من ارتكاب جريمة أكبر في القدس المحتلة بافتتاح السفارة الأمريكية في المدينة المغتصبة. ومقابل الوجع الكبير الذي يشعر به الفلسطينيون والإحساس بالغدر من الجانب الأمريكي، تعيش «إسرائيل» قدراً كبيراً من الكبرياء والطغيان، فهي ترى في الخطوة الأمريكية دعماً غير محدود وصكاً على بياض لتفعل ما تشاء دون أن يجرؤ أحد على محاسبتها أو إلزامها بحدود القانون الدولي.
وأغلب التوقعات أن «الاحتفال» الذي تعد له العدة في القدس لن يمر دون رد فعل يكون بحجم الاعتداء، وقد يكون افتتاح السفارة آخر نفس في خزان الصبر الفلسطيني الطويل، لأنه تجاوز على واحد من أخطر الخطوط الحمر، خصوصاً وأن هذا الحدث المشؤوم سيتزامن مع حلول شهر رمضان المبارك لما يمثله من صلة رمزية بالقدس باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
بكل المقاييس، لقد بلغ الصلف «الإسرائيلي» أوجه مدعوماً بدعم أمريكي «عجيب»، وقد برهنت هذه السياسة على تجاهل كل شيء واعتبار الشعب الفلسطيني في حكم الميت، وإذا انساق جنرالات الاحتلال في هذا الوهم فهم مخطئون وستأتيهم المفاجآت من حيث لا يحتسبون، وعاقبة المتغطرس دائما تكون مدمرة، ولن ينفعه الحلفاء، ومن الصعب جداً أن تنجو «إسرائيل» بأفعالها، لأن الحساب سيأتي يوماً مهما طال الزمن.