حبيب راشدين
قبل موعد القمة العربية بالرياض، التي كان يفترض أن يوجه فيها جهد القادة إلى مواجهة القرار الأمريكي الخطير بنقل السفارة إلى القدس، واستشراف ما يدبر له الكيان وهو يحتفل بالذكرى السبعين لقيام الدولة الصهيونية، يفاجئنا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتراف سعودي رسمي بما وصفه الأمير بـ"حق الإسرائيليين في أن تكون لهم دولة".
الموقف السعودي، عبَّر عنه الأمير في حوار مع جريدة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، لم يخف فيه إعجابه بدولة الكيان وبـ"اقتصادها الكبير الصاعد" بل يرى "وجود مصالح كثيرة تتقاسمها السعودية مع إسرائيل"، لننتقل مع الرجل القويّ في السعودية من مشروع "الأرض مقابل السلام" الذي رفضه الكيان بصلف، إلى خيار "السلام مقابل بعض الأراضي لبعض الفلسطينيين" تهيئ له اليوم إدارة ترامب ما سمي بـ"صفقة القرن".
هذا التصريح، يكون أكثر موقف رسمي وضوحا يصدر من رجل مرشح لخلافة الملك سلمان في أيِّ لحظة، يكشف تورُّط السعودية على أعلى مستوى في المقاولة الشرسة لمشروع "صفقة القرن" مثلها مثل مصر والأردن، لم يعُد يتطلب تحييد فصائل المقاومة الفلسطينية وتوصيفها بـ"الإرهاب" كما فعلت السعودية ومصر والإمارات مع حركة حماس، بل يحتاج إلى ليِّ ذراع السلطة الفلسطينية، وحملها على العودة إلى بيت الطاعة الأمريكي، والرضا بأقل مما كان متاحا تحت سقف اتفاقية أوسلو.
الفريق العربي المقاول لاعترافٍ عربي مستعجِل بالكيان الصهيوني، ولتطبيع كامل معه يسبق التسوية السياسية، قد ازداد قوة وجرأة بعد انتكاسات الربيع العربي، وبروز تقاربٍ سعودي صهيوني متنامٍ، وانخراط مصر السيسي والأردن في مشاريع تعاون اقتصادي سياسي وأمني واسع مع الكيان، وتحييد دول عربية معارضة مثل العراق ولبنان وسورية، والتحضير الحثيث لإشغال الجزائر بتسخين مغربي مفاجئ للأوضاع الأمنية بإقليم الصحراء الغربية انطلق عشيَّة انعقاد القمة العربية.
فريق التطبيع العربي المستبدّ اليوم بالقرار العربي قد يذهب في القمة القادمة إلى تبني قرار خطير يورط العالم العربي في تسليم ورقة اعتماد لـ"صفقة القرن" الأمريكية، بمراجعة مرجعية "مبادرة السلام العربية" التي كانت تقاول لقيام دولتين على حدود 1967 واقتسام القدس الشريف، بإخراج ملف القدس من الصفقة، وتجاهل ملف "حق العودة" وإلزام سلطة محمود عباس بالدخول مجددا في مفاوضات مع الكيان الصهيوني تحت الرعاية الأمريكية تكون غطاءً لتسويق المشروع ليس إلا.
وحدها المقاومة الشعبية الفلسطينية قادرة اليوم على إحباط هذه المؤامرة، بتحويل "مسيرات العودة" التي انطلقت الجمعة الماضي في حمام دم مروِّع، إلى انتفاضة فلسطينية جديدة مفتوحة تُسقط جميع المرجعيات التي سيقت إليها القيادات الفلسطينية من قبل، بدءا بالعودة إلى خيار "تحرير الأرض كل الأرض" والنضال لقيام دولةٍ فلسطينية على كامل ربوع فلسطين التاريخية، يمكن البحثُ داخلها عن تعايش ممكن بين الفلسطينيين واليهود وفق مبدأ المواطنة وأحكامها.
أخطر ورقة يمتلكها الفلسطينيون تسمح لهم في أيِّ لحظة بقلب الطاولة على الجميع، ونسف مؤامرة "صفقة القرن" هي حل "سلطة أوسلو" وامتناع النخب الفلسطينية عن الدخول في أي مسار تفاوضي يلغي مرجعية الشرعية الدولية، التي تضمن للفلسطينيين ما هو أهمّ من "الأراضي المحتلة في 67" بضمان "حق العودة" لملايين الفلسطينيين المشردين في الشتات منذ النكبة، وما ضاع حق وراءه مُطالِب.