راسم عبيدات
في كل مرة كانت تعصف بالعالم أزمات كبرى، كان يأتي الحل على شكل حروب عالمية، فقد كانت الأزمة الاقتصادية الآلية والظرفية ما بين عامي 1870 و1893 والتراكمات التي بنيت على تلك الأزمة سبباً في اندلاع الحرب العالمية الأولى، والأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1929 وتراكماتها كانت سبباً في اندلاع الحرب العالمية الثانية، اما الأزمة الاقتصادية الحالية منذ (2008 )، بعد أزمة سوق الأسهم لسنة 1987، بعد الركود الاقتصادي التي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1991، بعد الأزمة الاقتصادية الآسيوية لسنة 1997، فيبدو انها ستدفع الأمور نحو حرب عالمية ثالثة.
تحليل الأزمة الاقتصادية الراهنة يمر بثلاث أزمات، لا يمكن تجاوزها دون الوقوف عليها، والتي هي: أزمة النظام الرأسمالي، أزمة العولمة الليبرالية، الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية.
مع تسلم الإدارة الأمريكية الأكثر تطرفاً للحكم في الولايات المتحدة في بداية عام 2017، وجدنا ان هذه الإدارة الأمريكية ضمت في صفوفها أكثر غلاة المتطرفين من الأصولية المسيحية الصهيونية، وأصبحت تمارس سياسة البلطجة على مستوى العالم ككل، والتي سنعود لتفصيلها في سياق المقال للتأكيد على ان الإمبراطوريات تسقط عندما تتمدد وتتوسع بشكل اكبر بكثير من إمكانياتها المادية والعسكرية، والتاريخ الماثل امامنا يبين لنا كيف سقطت الامبراطورية البريطانية والتي كانت لا تغيب عن أراضيها الشمس، وكذلك هو حال الاتحاد السوفياتي، قبل ان يسقط ويتفكك.
على ضوء الوضع الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، والتي بات واضحاً أن من يتحكم في مفاصلها الاقتصادية والعسكرية والمالية والإعلامية هي قوى الأصولية المسيحية المتطرفة، ورأس هرمها بلطجي قادم من اكبر احتكارات الريع العقاري، ومعه شلة وعصابة من غلاة المتطرفين استكمل طاقمهم بتعيين المتطرف الأصولي المسيحي احد صقور حزب المحافظين الجدد جون بولتون مستشاراً للأمن القومي للرئيس ترامب، وهو صاحب السجل الأسود في الكثير من الأزمات والحروب التي شنت على الدول، وقد عمل مع فريق الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في فبركة واختلاق امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل في عام 2003، من اجل تبرير غزوه واحتلاله.
ولا ننسى دور هذا المتطرف في الغاء قرار الأمم المتحدة الذي ساوى ما بين الصهيونية والعنصرية، وعندما شغل موقع مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، واندلعت حرب تموز 2006 العدوانية من قبل إسرائيل على المقاومة اللبنانية ورأسها حزب الله، رفض بولتون أي وقف لإطلاق النار قبل قضاء اسرائيل على حزب الله، ليقبل بذلك صاغراً بعد عجز إسرائيل عن القيام بتلك المهمة بعد33 يوماً من الحرب.
وبولتون فيما يتعلق بالإتفاق بين ايران وامريكا حول ملفها النووي، هو احد الرافضين لذلك والداعمين لشن حرب سواء أمريكية او ضربات إسرائيلية على ايران من أجل تدمير برنامجها النووي، ومع توليه لمنصبه الجديد، اظنه سيكون من أشد الداعمين لتعديل هذا الاتفاق أو الغائه. اما مواقفه المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فهي منسجمه تماماً مع مواقف العصابة التي تحكم البيت الأبيض من الرئيس ترامب فنائبه بينس ومسؤولي ملف المفاوضات كوشنر وغرينبلات ونيكي هايلي المتصهينة الحمراء المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، والتي ربطت مساعدات الدول الفقيرة بخضوعها للسياسات والمواقف الأمريكية، وبأنها ستضرب بحذاء كعبها العالي كل من ينتقد إسرائيل، لأن عهد تقريع إسرائيل في الأمم المتحدة قد ولى على حد زعمها في حين السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان والذي هاجمه الرئيس عباس بسبب تطرفه ومعاداته للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكونه مستوطناً فقد قال "بأن احتلال إسرائيل هو مزعوم للضفة الغربية، وبأن اليهود يبنون في أرضهم، وطردهم منها ليس قانونياً او أخلاقياً".
المتطرف بولتون كما تفيد الكثير من المعلومات جرى الإستعانة بخبراته من أجل صياغة ما عرف بصفقة القرن، صفعة العصر لتصفية القضية الفلسطينية، فهو يرى بأن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية دويلة فلسطينية في قطاع غزة تتمدد في سيناء 720 كيلو متراً مربعاً وأمنها الخارجي بيد مصر، يلحق بها ما يزيد عن حاجة امن إسرائيل من أراضي الضفة الغربية، على ان يكون هناك إشراف أمني خارجي إسرائيلي - أردني على تلك الأراضي.
وللتدليل على أن الإمبراطورية الأمريكية العالمية ستواجه نفس مصير الإمبراطوريات السابقة بريطانيا والإتحاد السوفياتي سابقاً، نجد انها خلال سنة من حكم هذه العصابة استعدت الكثير من دول العالم، فها هي تدخل في حروب تجارية مع الصين وأوروبا من خلال فرض الضرائب الباهظة على البضائع المستوردة من الصين، وتحاول زعزعة امنها واستقراراها من خلال دولة تايلند، وفرضت عقوبات اقتصادية على روسيا، وهي تخطط مع عشرين دولة أوروبية، في إطار الحرب على روسيا لطرد الدبلوماسيين الروس من أراضيها، وتكثف من وجودها العسكري في بحر الصين، وعملت على إقامة قواعد إحتلال لها في العراق وسوريا ودول أخرى تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وهي من رعته ومولته ودربته وسلحته منذ البداية، هو والكثير من المجاميع الإرهابية الأخرى، خدمة لأهدافها ومصالحها في السيطرة على الثروتين النفطية والغازية في هذين البلدين، وخطوط إمدادهما، وتتخذ مواقف متشددة من كوريا الشمالية وبرنامجها النووي، وتواصل تهديداتها بشن حرب عدوانية عليها، في حين تقوم بفرض"الجزية" على دول الخليج العربي، حيث اضطرت السعودية لدفع مبلغ 460 مليار دولار لها أثناء القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية في الرياض في العشرين من أيار/2017 ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك، بل حصلت على مئات المليارات الأخرى من قطر والإمارات والبحرين على شكل شراء أسلحة أمريكية واستثمارات في الاقتصاد والمؤسسات الأمريكية، وأثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحالية لأمريكا، لم تستح الإدارة الأمريكية لتقول بشكل واضح "بأن السعودية بلد غني وتريد جزءاً من ثروته".
هي امبراطورية تفقد اتزانها وتوازنها، وهي لم تختلف مع العالم، بل تختلف مع ذاتها، فلأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تقدم إدارة أمريكية على إخراج وإقالة 40% من مسؤوليها وموظفيها خلال عام واحد.
الإمبراطورية الأمريكية كالديك الذبيح تترنح، وقبل أن تسقط ويتراجع دورها، ستعمل على نشر الفوضى والخراب في العالم والمنطقة، ولكن مشاريعها هزمت وبالذات في منطقة الشرق الأوسط، وإسرائيل تشعر بأن الخطر على وجودها يزداد وبات يقترب بسرعة كبيرة، فهل نحن أمام انفجار كبير خطير وربما حرب عالمية ثالثة بعد كل هذه التطورات بما في ذلك تعيين المتطرف بولتون؟!