في ظل الانهيار العربي الماثل للعيان، وفي ظل التنازع الفلسطيني فائق الحماقة، وفي ظل الانحياز الأمريكي المطلق للسياسات «الإسرائيلية» التوسعية، وتبعية الغرب عموماً للسياسة الأمريكية المنحازة، في ظل كل ذلك، يتراءى للمتطرفين التوسعيين «الإسرائيليين» أن «الفرصة التاريخية» متاحة الآن لتحقيق مشروعهم الكولونيالي في «إسرائيل الكبرى والكاملة»، ولذلك نرى أن خلافاتهم تقتصر حول من يفوز في سباق التطرف الذي يؤهلهم للبقاء في السلطة، ويؤهل الأكثر تطرفاً منهم للقيادة! وتتفق أغلبية المعلقين السياسيين على أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يظل الأقرب للفوز في حال إجراء انتخابات مبكرة، بالرغم من تهم الفساد الموجهة إليه، ويظل حزبه (الليكود) الأكثر تأهيلاً للفوز. لكن هذه الصورة الزاهية بالنسبة للمتطرفين اليهود، لا تمنع بعض الأقل تطرفاً من رؤية ما تعنيه الأفكار والتصورات والتوجهات الأكثر تطرفاً من مخاطر على «إسرائيل» ومستقبلها، حتى إنهم يحذرون من أن ذلك سيقودهم ربما إلى «الحرب الأهلية»، ثم السقوط النهائي لكيانهم ومشروعهم ووجودهم برمته.
على سبيل المثال، كتب عيناب شيف في صحيفة (يديعوت - 2018/3/8)، في معرض الحديث عن التحقيقات الجارية حول فساد نتنياهو يقول: إنه سواء بقي نتنياهو في رئاسة الوزراء أو أزيح عنها، فإن الأمور لن تبقى كما هي الآن، وإن «مؤامرة قد نسجت» ستظهر نتائجها لاحقاً! ويضيف: «من هنا فإن «إسرائيل» هي في لحظة قاسية جداً بالنسبة للنسيج الاجتماعي المتضعضع على أي حال»! والنتائج التي يتوقعها «ليس حرباً أهلية، ولكن ربما مرحلة المقدمة الباردة لها». وينهي بقوله: «معارك «إسرائيل»، اغتيال رابين، فك الارتباط وقصة أزاريا، من كل هذه يوجد احتمال أن يكون بالذات المصير السياسي لشخص واحد هو القشة التي تقصم ظهر بعير ابن سبعين، تعب ومستنزف»!
وبالرغم مما يبدو على السطح من دعم للقيادة «الإسرائيلية» مباشرة أو بشكل غير مباشر، (فالعالم في المستوى الرسمي (الحكومات) إما منحاز، وإما تابع للمنحاز، أو عاجز عن الوقوف في وجه المنحازين، أو غير معني بما يجري في هذه البقعة الصغيرة التي اسمها فلسطين- «إسرائيل»)، فإن السخط على المستوى الشعبي يسجل تقدماً ملحوظاً. ويقول المؤرخ «الإسرائيلي» إيلان بابيه حول هذه المسألة: «هناك دول تنظر بقلق وخوف لما يشهده الشرق الأوسط»، ويضيف: «إن «إسرائيل» في نهاية المطاف ليست سوريا. هناك قدرات تكنولوجية «إسرائيلية» تلعب دوراً، وهناك دول فيها لوبيات يهودية ومسيحية كما في الولايات المتحدة. لكن بشكل عام وفيما يتعلق بالمجتمع المدني في الغرب، وحتى في الهند، الصورة واضحة جداً و«إسرائيل» خسرت المعركة».
وبصرف النظر عن العالم وما يجري فيه، تظل الأحداث والمتغيرات داخل «إسرائيل» هي الأهم، وهذه المتغيرات على الجانبين، «الإسرائيلي» والفلسطيني، هي ما ستفرض المستقبل في هذه البقعة الصغيرة من الأرض. إن الممارسات «الإسرائيلية»، الحكومية والتي يقوم بها المستوطنون بغطاء أو غض بصر حكومي، تدفع الفلسطينيين في الداخل، وشعوب العالم في الخارج، إلى كل أنواع المواجهة مع السياسات «الإسرائيلية». وفي محاضرة عقدت في مدينة الناصرة، اتفق الباحثان الأكاديميان، زئيف شترنهل ودانيال ألتمان على أن «إسرائيل» تمارس نازية جديدة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين، وحذرا من أن ذلك لا بد أن ينعكس في النهاية على الجيش الذي قد ينقسم على نفسه، وهو ما يشير من طرف خفي إلى احتمال «الحرب الأهلية»! لكن البروفيسور ألتمان، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية وفي مقال منفصل، أشار إلى أن الوصول إلى الدعوة «لإبادة شعب»، كما يقترح بعض أعضاء الكنيست، لم يأت من فراغ بل من كيانات متطرفة موجودة مثل (تدفيع الثمن) و(شبيبة التلال)، ومن فتاوى حركات الاستيطان الكثيرة، موضحاً أن الممارسات القمعية ضد الفلسطينيين تبرر استهداف المستوطنين في العمليات الفلسطينية، وتبرر في الوقت نفسه «الفعل التحريري» الفلسطيني.
هنا نعيد التذكير بأن هؤلاء المؤرخين والأكاديميين والمفكرين اليهود، ينتقدون السياسات «الإسرائيلية» وسياسات نتنياهو بصورة خاصة، ويحذرون مما يمكن أن تصل إليه من نتائج انطلاقاً من إيمانهم، وحرصاً على دويلتهم، وليس لأنهم ضدها، بل العكس تماماً وهم يوضحون أنهم يدعون لما يدعون إليه دون المس بالمبادئ الأساسية للفكر الذي قامت عليه دويلة الاحتلال! بمعنى آخر هم يريدون حمايتها من سياسات متطرفة يعرفون أن استمرارها سيسرع ويستعجل سقوط «إسرائيل»، التي قامت على باطل منذ الأساس، وستنهار حتماً لأن طبيعتها لن تتغير ولن تغير القيادات وممارساتها.. وستسقط في وقت لم يعد بعيداً جداً.