الدفعة الثالثة من أسرى ما قبل أوسلو (104)، والذين جرى الإتفاق على إطلاق سراحهم، كواحد من شروط عودة الجانب الفلسطيني للمفاوضات، تمت بعد أن حاولت إسرائيل المماطلة والتسويف وطرح شروط جديدة لإطلاق سراحهم،
ورغم إتمامها بيوم تأخير واحد عن الموعد المحدد، إلا أن المتغير الأخطر، هو إستبدال إسرائيل لبعض من أسرى الدفعة الثالثة بأسرى آخرين، ليسوا من ضمن الأسرى المصنفين كأسرى ما قبل أوسلو، وهذا لا يعني أننا ضد إطلاق أو تحرير سراح أي أسير فلسطيني، بل الخطورة تكمن في أن نتنياهو بدأ في محاولات جديدة لفرض شروط تعجيزية على الجانب الفلسطيني وحتى الأمريكي، اللهم إذا كان الأمريكان يعلمون ويخدعون قيادة السلطة الفلسطينية.
فنتنياهو إستطاع أن يفرض معادلة جديدة في قضية تحرير أسرى ما قبل أوسلو وهي معادلة تتمثل في أنه مقابل كل دفعة من الأسرى المتفق على تحريرهم، يقوم هو وحكومته بطرح عطاءات ومناقصات لإقامة مشاريع تتكون من آلاف الوحدات الإستيطانية الجديدة في القدس وباقي أنحاء الضفة الغربية، تحت حجة وذريعة المحافظة على إئتلافه الحكومي من الإنهيار وإرضاءً لـ"المتطرفين" من حكومته.
واليوم وفيما يقترب موعد إطلاق موعد الدفعة الخاصة بأسرى القدس والداخل الفلسطيني- 48 - الدفعة الرابعة بدأ نتنياهو يماطل ويتلاعب من أجل فرض شروط جديدة، على الجانب الفلسطيني منع تمريرها تحت أي شكل من الأشكال، فهم يتعاطون مع الطرف الفلسطيني على أساس سياسة فرض الأمر الواقع والقبول به، فالدفعة الثالثة جرى التلاعب بها من حيث الأسماء المشمولة بالصفقة وموعد التنفيذ، واليوم وهو الأخطر، ما صرّح به نتنياهو بأن الدفعة الرابعة، لن تشمل أي أسير من أسرى الداخل الفلسطيني- 48 -، وعلى الفلسطينيين إختيار قائمة جديدة لستة وعشرين أسيراً أخرين، أو أن حكومة الإحتلال ومصلحة سجونها وأجهزة مخابراتها، هي التي ستقرر الدفعة الجديدة كما درجت عليه العادة.
إن غض الطرف عن ما طرحه نتنياهو يرتقي إلى حد ليس الخطيئة أو الجريمة، فقط بل يصل إلى حد التنكر التام لنضالات وتضحيات هؤلاء الأسرى، وقلب ظهر المجن لهم، ودفعهم إلى خانات الإحباط واليأس وحالة الخذلان وفقدان الثقة بالقيادة والأحزاب والفصائل، ناهيك عن تأثيرات وتداعيات ذلك الخطيرة على واقع الحركة الأسيرة الفلسطينية ووحدتها.
فأسرى الثمانية وأربعين وإلى حد كبير القدس، تفرض عليهم إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها شروطاً وإجراءات قاسية، فحتى في الأحكام تكون أحكامهم على القضايا أو الأعمال الوطنية والنضالية والكفاحية التي قاموا بها ويقومون بها، أعلى من مثيلتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي السجون جرت وتجري محاولات عزل لهم عن بقية أبناء الحركة الأسيرة ووضعهم في أقسام خاصة من السجن، وحتى في عدد محدود من السجون، وليس أسوة بباقي أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية، وليس هذا فحسب، فقد إستغلت إدارة مصلحة السجون وأجهزة مخابراتها، عدم شمول أسرى الداخل في صفقات الإفراجات الخاصة بأوسلو وما يسمى بحسن النوايا، وحاولت من خلال عدد محدود من بعض الأسرى فك العلاقة ما بين هؤلاء الأسرى وبين أحزابهم وتنظيماتهم، مقابل تسهيلات شكلية ودسّ للسم في العسل، حول تحديد مدة الحكم للمؤبدات منهم، ومعاملتهم معاملة الأسرى الجنائيين، الأمر الذي دفع بأسرانا إلى التصدي الحازم لهذه المحاولة البائسة والتي تحمل دلالات ومعان خطيرة، وأصدروا بياناً أعلنوا فيه انهم جزء صميمي من الحركة الوطنية الفلسطينية ويعتزون ويفتخرون بالإنتماء لها ولفصائلها الوطنية، ولم يهنوا ولم يضعفوا لعدم شمولهم بتلك الصفقات، ولكنهم طالبوا القيادة والقوى والأحزاب بعدم التخلي عنهم وتركهم وحيدين في ساحة المعركة، وطالبوها مراراً وتكراراً بعدم العودة للمفاوضات، دون أن يكون هناك نصّ صريح يشترط إطلاق سراحهم، وعدم العودة لها إلا بتحقيق هذا الشرط، ولكن لا بأس تمت العودة على أن يتحرر القدماء منهم أسوة بباقي أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية القدماء، ولكن ساورهم القلق والشكوك، عندما جرى تقسيم أسرى ما قبل أوسلو إلى دفعات، ووضعهم على القائمة الأخيرة من الإفراجات، فهم يدركون بأن هذا الإحتلال يريد أن يحول قضيتهم الى قضية إبتزاز.
واليوم تتضح النوايا، فنتنياهو لا يريد إطلاق سراحهم وفي ظل مفاوضات متعثرة أو فاشلة مع السلطة الفلسطينية، فهو يتذرع بانه حتى يرضي المعسكر المتطرف في حكومته، هذا إذا كان فيها غير المتطرفين، بضرورة أن تقوم الحكومة الأمريكية بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، أو أن توافق السلطة الفلسطينية على قرار الحكومة الإسرائيلية وإشتراطاتها في المفاوضات كقضية ضم الأغوار وغيرها، وهذا يعني أنه في أي موافقة أو رضوخ فلسطيني لتلك الإشتراطات والإبتزازات الإسرائيلية الوقحة، الحكم بالإعدام على هؤلاء المناضلين، ودفعهم إلى خانات وخيارات، ستترك آثاراً مدمرة عليهم وعلى عائلاتهم وعلى الحركة الأسيرة الفلسطينية في السجون، وحتى على الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني.
على السلطة الفلسطينية أن تعلن بشكل قاطع ولا يقبل التأويل أو التسويف، وكذلك على كل قوانا وأحزابنا ومؤسساتنا وجماهيرنا، أن تقول بصوت مجلجل ومدوٍ، فلتذهب تلك المفاوضات إلى الجحيم، إذا لم يجر إطلاق سراح أسرانا من الداخل الفلسطيني.
أم عميد الأسرى كريم يونس التي رحلت دون أن تكحل عينها برؤية إبنها وضمه إلى صدرها، ستبقى في قبرها تلعنكم إلى يوم الحشر ولن تغفر لكم، وكذلك هي زوجة الأسير وليد دقة مؤجلة الفرح منذ أكثر من ربع قرن، هي لن تسامحكم أو تغفر لكم أيضاً، فيوم توقيعكم أو موافقتكم على أي اتفاق لا يحرر زوجها ستأتي إليكم موشحة بالسواد، وكذلك هن أمهات وزوجات وبنات وأولاد وعائلات الأسرى ماهر يونس وصالح ابو مخ وابراهيم ابو مخ وإبراهيم بيادسة وأحمد أبو جابر ومحمد وإبراهيم اغبارية ويحيى اغبارية ومحمد جبارين ومحمود جبارين وغيرهم.
لا تتركوا أسرى الداخل وحيدين، ولا توقعوا اي اتفاق لا يضمن لهم ولكل أبناء حركتنا الأسيرة الحرية، فمن سيوقع على ذلك يوجه طعنة غادرة ويرتكب جريمة ترتقي إلى حد الخيانة بحق هؤلاء المناضلين وتضحياتهم، يكفيهم خذلاناً وقصوراً، فأوسلو تركهم وحيدين هم وأسرى القدس، والآن عليكم أن لا تتركوهم فلا أعذار لكم.