د.إبراهيم أبراش في ظل الصعوبة – أو عدم الرغبة – في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني وتعطيل المجلس التشريعي وأزمة السلطة الوطنية وصعوبة التوافق الوطني بسبب استمرار الانقسام،
فإن الأنظار تتجه نحو المجلس المركزي لمنظمة التحرير المقرر انعقاده منتصف هذا الشهر للنظر فيما يمكن عمله، ويبدو أن هناك كثيراً من المبالغة في المراهنة على الاجتماع القادم للمجلس.
فمنذ تأسيس المجلس المركزي عام 1977 كان دوره متواضعاً بسبب دورية انعقاد المجلس الوطني ووضوح الاستراتيجية الفلسطينية وعدم وجود قوى فلسطينية من خارج منظمة التحرير تنافس هذه الأخيرة على صفتها التمثيلية، وقد ضعُفَ دوره بشكل أكبر مع بداية تأسيس السلطة الوطنية وما صاحب ذلك من تهميش منظمة التحرير بشكل عام.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة تم تفعيل وتنشيط المجلس المركزي بحيث أصبح اجتماع المجلس المركزي الإطار الوحيد المتاح الذي يمكن أن يجتمع فيه ممثلون عن كل قطاعات الشعب الفلسطيني. فهل المجلس المركزي هو مربط الفرس؟ وهل المراهنة على المجلس المركزي لاتخاذ قرارات مصيرية مراهنة في محلها؟ وما القرارات أو التوصيات المطلوب اتخاذها من المجلس المركزي؟
لا نقلل من أهمية وقيمة المجلس المركزي كأحد مؤسسات منظمة التحرير وباعتباره حلقة وصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية ولأن المجلس المركزي هو الذي أصدر قرار تأسيس السلطة الوطنية، إلا أن المجلس المركزي ليس صاحب قرارات نهائية ملزمة، وغالباً ما يناقش الموضوعات التي يتم إحالتها له من اللجنة التنفيذية، والقرارات التي تصدر عنه هي أقرب للتوصيات لأنه يتم إحالتها للجنة التنفيذية صاحبة القرار النهائي في تنفيذها من عدمه، وقد تابعنا مصير كل القرارات التي كانت تصدر عن المجلس المركزي خلال دورات انعقاده السابقة وكيف بقيت حبراً على ورق وخصوصاً منها قرارات دورة (الصمود والمقاومة الشعبية) بداية شهر مارس 2015.
عندما نقول بعدم المبالغة في المراهنة على الاجتماع القادم للمجلس المركزي فذلك للأسباب التالية:
1- ما أشرنا إليه أعلاه بأن المجلس المركزي ليس السلطة الأعلى بل مجرد وسيط بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، وقراراته مجرد توصيات غير ملزمة للجنة التنفيذية التي يمكنها المماطلة في التنفيذ أو الاجتهاد في التفسير بذريعة مراعاة المصلحة الوطنية العليا.
2- بالرغم من لجوء القيادة لاجتماعات المجلس المركزي إلا أنه لجوء المضطر لأن القيادة غير راغبة في منح المجلس المركزي صلاحيات واسعة من منطلق عدم رغبتها في العودة لمربع منظمة التحرير وما تعنيه من عودة لمرحلة التحرر الوطني، فالقيادة حسمت أمرها بالذهاب نحو خيار الدولة الفلسطينية من خلال الشرعية الدولية والتسوية السلمية.
3- لأن دورة المجلس المركزي ستنظر غالباً في القضايا التي أحالتها له اللجنة التنفيذية للمنظمة، والرئيس أبو مازن رئيس اللجنة التنفيذية أكد مباشرة بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأن المنظمة ملتزمة بعملية التسوية السياسية وأن المشكلة لا تكمن في عملية التسوية بل بالرعاية الأمريكية لها، وبالتالي وضع سقفاً لما يمكن للمجلس اتخاذه من قرارات.
4- تباعد المواقف ما بين قيادة منظمة التحرير والفصائل خارجها وخصوصاً حركتي حماس والجهاد في القضايا المفصلية كالالتزام باتفاقية أوسلو وبعملية التسوية السياسية والاعتراف بإسرائيل، وبسبب الانقسام وتعثر المصالحة ستُعلي حركتا حماس والجهاد صوتها المعارض...
انطلاقاً مما سبق فإن المجلس وفي ظل حالة الترقب والغضب الشعبي قد يناقش مطالب بعض الأحزاب الفلسطينية وهي مطالب تستحق المناقشة والنظر فيها وتدغدغ مشاعر الجمهور كسحب اعتراف المنظمة بإسرائيل والتحرر من اتفاقية أوسلو والتزاماتها والانتقال من سلطة أوسلو إلى سلطة وحكومة الدولة، إلا أن هذه المطالب ولأنها ستصطدم بالتزام قيادة منظمة التحرير بعملية التسوية السياسية فلن تجد تجاوباً من الرئيس أبو مازن، والرئيس هو مربط الفرس والمرجعية الوحيدة في هذه القضايا، وخصوصاً أن الرئيس يتعرض لضغوط حتى من دول عربية لعدم التصعيد مع واشنطن وإسرائيل ولإبقاء باب العودة للمفاوضات موارباً.
ومن جهة أخرى ليس من الواضح ما إن كنا أمام اجتماع للمجلس المركزي بتركيبته الرسمية بحيث سيجري التصويت على ما سيتخذ من قرارات/ توصيات بالآلية المألوفة، أم سيحضر الاجتماع شخصيات وأحزاب من خارج منظمة التحرير، في هذه الحالة الأخيرة سنكون أمام مؤتمر أو لقاء وطني سيكون التصويت فيه للأعضاء الرسميين فقط، الأمر الذي سيجعل غير الأعضاء الرسميين وكأنهم شهود زور على ما يجري وهو ما يجعلهم يفكرون في الحضور من عدمه؟
ما نتوقعه في حالة انعقاد المجلس في موعده أن تُناقش كل القضايا وتصدر قرارات/توصيات بصيغة حادة ترضي الجميع ولكن ملتبسة في نفس الوقت وقابلة للتأويل حتى يبقى مخرجاً للرئيس وللجنة التنفيذية للتعامل مع أية تسوية قادمة، وقد يتم الإعلان مع وقف التنفيذ عن قيام الدولة الفلسطينية والانتقال من سلطة تحت الاحتلال إلى دولة تحت الاحتلال، لكن دون الإعلان رسمياً عن حل السلطة أو سحب الاعتراف بإسرائيل، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيداً وإرباكاً.
بغض النظر عن موقف القيادة ونواياها، فإن قرارات حاسمة يتخذها المجلس المركزي مثل سحب الاعتراف بإسرائيل أو حل السلطة وإعلان نهاية أوسلو أو الإعلان عن وقف المراهنة على التسوية السياسية حتى وإن كانت تعبّر عن مواقف وطنية نظرياً فإنها تحتاج لتفكير عميق بنتائجها الممتوقعة:-
1- الإقدام على سحب اعتراف المنظمة بإسرائيل أو حل السلطة قبل إنهاء الانقسام وقبل إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير التي ينضوي فيها الجميع سيؤدي إلى فراغ قد توظفه إسرائيل وواشنطن لتمرير "صفقة القرن".
2- التجاوب مع المطالب السالفة سيؤدي عملياً لإنهاء وجود حكومة وموظفين وشؤون اجتماعية ..الخ، وقد رأينا كيف ثار الشارع الفلسطيني خصوصاً في غزة واحتجت غالبية الفصائل على إجراءات الخصم من رواتب موظفي غزة والإحالة إلى التقاعد، فكيف سيكون الحال لو توقفت الرواتب والخدمات جميعاً وخصوصاً في الوقت الذي تهدد به واشنطن بتخفيض مساهمتها في الأونروا بل وبحل "الأونروا"؟
3- قد يقول قائل بوجوب اتخاذ القرارات الحاسمة المُشار إليها اعلاه وعلى إسرائيل أن تتحمل كامل المسؤولية عن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال كما كان الحال قبل أوسلو وتأسيس السلطة، وهذا موقف وطني يجب التفكير فيه، ولكن في نفس الوقت يجب التذكير أنه قبل أوسلو وقبل السلطة كانت منظمة التحرير فاعلة وتمثل الكل الفلسطيني وكانت توجد قيادة وطنية موحدة تقاوم الاحتلال وكانت النخبة السياسية وطنية مناضلة متحررة من المصالح الشخصية، فأين النظام السياسي والنخب السياسية الفلسطينية الحالية من الوضع الذي كان قبل وجود السلطة؟ والسؤال الأهم مَن المسؤول عن وصول الحالة برمتها لهذه الوضع من صعوبة الخيارات والارتهان للوظيفة والراتب ولشروط الجهات المانحة؟
وأخيراً فإن مصير القضية الوطنية غير مرتهن بالمجلس المركزي ومخرجاته، الأهم من المجلس المركزي هو إنجاز الوحدة الوطنية بسرعة والانتهاء من مهزلة حوارات المصالحة العالقة عن قصد خبيث بقضايا الرواتب والموظفين، إن لم يحدث ذلك فإن كل النخبة السياسية ستتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية والأخلاقية عما سيصيب القضية الوطنية من ويلات في الأيام القادمة سواء من خلال الممارسات الإسرائيلية أو من خلال الصفقة الكبرى الأمريكية.