Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

قراءة في صك الانتداب البريطاني على فلسطين

قراءة في صك الانتداب البريطاني على فلسطين

  علي هويدي المتفحص لصك الانتداب البريطاني على فلسطين بمواده الـ28 والذي تمت المصادقة عليه واعتماده من قبل عصبة الأمم في تموز 1922 لا يستطيع إلا أن يستنتج بأن "الصك" سياسي وليس له علاقة بالشق القانوني

رغم أنه صادر عن منظمة أممية اختارت لنفسها شعار العدل والسلام بعد الحرب العالمية الأولى، وكأن من صاغه قد تخرّج ووزير خارجية بريطانيا جيمس آرثر بلفور من مدرسة واحدة، ويدرك المتفحص أيضاً إلى أي مدى وصل حجم التآمر الأممي على فلسطين وكيف جرى التحضير والتخطيط والتمهيد للاستيلاء عليها وتسليمها لعصابات الصهاينة الغازية في العام 1948، ولم يكن هذا ليحدث لولا التغلغل والنفوذ الصهيوني وتأثيره على صانع القرار لدى دول الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى (بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيرلندا) وتبني تلك الدول لوعد بلفور للعام 1917.

جاء في ديباجة "الصك" الذي اعتمدته ووافقت على محتواه 58 دولة هي عصبة الأمم بعد أن وافقت أن تكون بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين والتوافق بأن يعهد إليها بالتنفيذ بالنيابة عن عصبة الأمم: "ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت أيضاً على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني 1917 وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.."، وتضيف الديباجة في الفقرة الثانية "ولما كان قد اعتُرف بذلك بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد".

حتى اليوم لم يتم إثبات أن اليهود كانوا شعباً موحداً على أرض موحدة وفق معايير القانون الدولي، إذ كانوا ينتمون إلى الشعوب والقوميات التي عاشوا في كنفها كاليهود العرب واليهود الفرنسيين والألمان وغيرهم، وبالتالي لا يمكن إعطاؤهم كذلك الصفة القومية، وإذا كانت عصبة الأمم تريد حل مشكلتهم "شعب وقومية" وأن تعطيهم حق تقرير المصير، فلا يعقل وفق الأنظمة والقوانين التي أنشأتها هي عند إطلاقها في العام 1919 أن يكون الحل على حساب أرض الغير وتشريد شعبه وسرقة ممتلكاته "الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني"، وبهذا المعنى لم يكن ضم وعد بلفور لصك الانتداب البريطاني الاستعماري سنة 1922 إلا سياسياً ومخططاً للهيمنة والسيطرة على فلسطين، ناهيك عن أن انتداب بريطانيا على فلسطين وفق ما جاء في عصبة الأمم هو من الفئة (أ) ويعني وفق تعريف "العصبة" تهيئة الشعب المنتدب لحق تقرير مصيره، وهو ما خالفته بريطانيا وعملت على تمكين العصابات الصهيونية وتسليمها فلسطين دولة موصوفة كاملة الأركان في العام 1948.

جاءت المادة الثانية من الصك لتزيد الطين بِلّة، ولتؤكد دور الانتداب البريطاني بتطبيق ما جاء في وعد بلفور: "تكون الدولة المنتدِبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وفقاً لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات الحكم الذاتي، وتكون مسؤولة أيضاً عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين".

يحلو للبعض أن يدعو لتطبيق الجزء الثاني من المادة الثانية للصك بالدعوة إلى "صيانة الحقوق المدنية والدينية.." لسكان فلسطين وكأن الظلم الذي وقع على القضية الفلسطينية هو بعدم تطبيق هذا الجزء فقط، وهذا يجافي الحقيقة الإستراتيجية للطرح بأن لبّ المشكلة سياسية بموافقة الدول النافذة على إعطاء ما لا تملك لمن لا يستحق، والتغافل عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

وتأتي المادة الرابعة من الصك لـ"تشرّع" الهجرة اليهودية إلى فلسطين وحمايتها؛ إذ يعترف الصك "بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين"، ويعترف الصك بـ"الجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة مادامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض، ويترتب على الجمعية الصهيونية أن تتخذ ما يلزم من التدابير بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن اليهودي". ليس بعد هذا وضوح للتنسيق الدائم بين بريطانيا والصهاينة للتمهيد لقيام الكيان المحتل.

ما تبقى من مواد لصك الانتداب بمجملها إنما تخدم هذا التوجه الإستراتيجي. لم يكن الانتداب على فلسطين إلا تكريساً لدور بريطانيا الاستعماري بموافقة وغطاء ودعم أممي منذ العام 1917 حتى يومنا، وهو ما يجب أن يبقى حاضراً وبقوة عند استحضار مئوية وعد بلفور وآثاره الكارثية على الشعب الفلسطيني وعلى كرامة الإنسان.